بقلم: خلدون الشيخ
منذ وطأت قدما النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو
مدينة مدريد في 2009، تغير حال كرة القدم، بل انحصرت المتعة والاثارة بين نجمين، رونالدو
وعدوه اللدود الارجنتيني ليونيل ميسي، فانقسمت معهما آراء الملايين من عشاق كرة القدم،
وحتى الأرقام القياسية لم تلبث الا لتتكسر في غضون أسابيع وشهور، رغم انها ظلت صامدة
سنين طويلة، بل عقود قبل ان تعرف اللعبة هذين النجمين.
هل من المنطقي طرح سؤال، انه لو بقي كريستيانو في
مانشستر يونايتد ولم ينتقل الى الريال، لما احتدم الصراع الشخصي مع ميسي، ولما تحطمت
الأرقام وأعداد الأهداف؟ كون الحافز سيكون مفقوداً، أو بكلمة أصح، فانه سيكون أقل الحاحاً،
كون كلا النجمين يسيطر على مملكته في البطولتين الانكليزية والاسبانية، لكن لحسن حظ
عشاق اللعبة، فان الصراع الشخصي المحتدم والناري لم يتوقف منذ 2009، بل أن تسجيل الأهداف
واحراز الالقاب مع الريال او البارسا، لم يعد له معنى سوى للمقارنة مع ما فعله الخصم
مع فريقه.
لا شك أن الأرقام المذهلة باتت كثيرة لتحصى وتذكر،
مع تكرارها كل شهر، بل كل أسبوع، ففي حين يصبح رونالدو أول لاعب يسجل العدد الاعلى
من الأهداف في الجولات الـ15 الأولى، فان ميسي في المقابل يحتفل بتحطيم الرقم القياسي
في عدد الاهداف في تاريخ الدوري الاسباني، بل أصبح محبو النجمين يصطادون كل المناسبات
والخيارات والأرقام لتتم مقارنتها مع ما يفعله النجمان، فتسجيل الثلاثيات (الهاتريك)
وعددها قد تحطم مراراً وتكراراً، ان كان في الدوري الاسباني، أو في دوري أبطال أوروبا
او في كأس أسبانيا، أو في السوبر الاوروبي او المحلي، لتنتقل المقارنات والصراعات من
تسجيل الأهداف الى عدد مرات صنع الأهداف للزملاء، وعدد التمريرات الحاسمة… ألخ. لنفقد
معها متعة الاحتفال بانجاز جديد او بتحطيم آخر لرقم قياسي، لتعلو الأصوات: وما الجديد؟
الفارق بين شخصيتي النجمي يثير الكثير من الجدل والتقاذف
بين أنصارهما، ففي حين أن شخصية ميسي هادئة وبعيدة عن الأضواء في كثير من الأحيان،
فان رونالدو عكس ذلك تماماً، وفي حين يبدو ان النجم البرتغالي لديه نزعة غرور وتكبر
وتعجرف، فان سرعان ما نلحظ بعضاً من هذه النزعات على ميسي، لكن ما يهمني من هذه المقالة
هو اكتشاف الفارق بين الموهبتين الكرويتين وليس بين الشخصيتين وسلوكهما.
بالنسبة لي فان نجومية ميسي الكروية جاءت نتيجة موهبة
طبيعية، أقرب الى اعتبارها خارقة، بالمقارنة مع مواهب نظرائه، فالفطرة في ممارسة اللعبة
والبراعة في التصرف بالكرة، سمحت لميسي في التغلب على العديد من نقاط الضعف الجسدية،
التي قد يحتاجها نجوم بارعون في العصر الحديث، وباتت لديه أساليب مدهشة، رغم ان الكثير
من المدافعين الذين يواجهونه يعرفون قدراته وما يستطيع فعله بالكرة، لكنهم دائماً ما
يظلون عاجزين عن ايقافه.
وهنا نجح
ميسي في القفز الى القمة بسبب هذا العنصر، فمثلاً النجم الهولندي أريين روبن لديه الكثير
من عناصر الابهار التي يتمتع بها ميسي، كقدرته على المراوغة بسرعة عالية والاختراق
وهو يحتفظ بالكرة والتسديد الدقيق من خارج منطقة الجزاء، ومع ذلك لم تصل أهداف النجم
الهولندي ولا بريقه الى ما وصل اليه "البرغوث" الارجنتيني.
في المقابل، فان كريستيانو رونالدو بات ظاهرة تستحق
الدراسة عن كثب، بل أصبح نموذجاً مثالياً للواعدين والصاعدين في عالم اللعبة، لان ببساطة
موهبته "مصنعة".
وهناك فارق كبير بين كلمتي "مصنعة" و"مصطنعة"،
فالثانية تعني انه لا يمتلك الموهبة بل يصطنعها ويمثلها، لكن ما أقصده هو الأولى، أي
أن كريستيانو أكثر لاعب في العصر الحديث بذل جهداً وتصبب عرقاً وأنهك نفسه في سبيل
تطوير، ليس موهبته فحسب، بل قدراته الجسدية وقوة بنيته وارتقاؤه العالي وسرعته، وهذا
أمر مكتسب و"مصنع" بفضل اصراره وعزيمته وتعبه، وهو ما أوصله الى مقارعة الموهبة
الطبيعية لميسي.
ولهذا السبب
كنا نرى في السابق عندما أحرز ميسي جائزة "الكرة الذهبية" اربع مرات متتالية،
علامات الاستياء والغضب على وجه رونالدو، وكأنه يقول "كل هذا الجهد والتعب ذهب
هدرا"، لكنه عوض الاخفاق بكرتين ذهبيتين متتاليتين، رغم أنه مرت فترات في العامين
الأخيرين على كلا النجمين غابا فيه عن التألق، فاتهم ميسي أنه يخزن طاقته لمنافسات
المونديال خلال الموسم الماضي كون برشلونة لم يحرز أي لقب، في حين ان رونالدو يعيش
فترة صعبة في الوقت الحالي، فقط كونه لم يسجل في ثلاث مباريات متتالية.
مهما يحدث، وحتى لو رحل النجمان الى الدوري الانكليزي
لأسباب عدة، فانه علينا الاعتراف باننا محظوظين كوننا نشهد اسطورتين حيتين، سيأتي يوماً
يقرأ أحفادنا عنهما وعن صراعهما وارقامهما الخرافية القياسية، مثلما قرأنا عن بيليه
وبوشكاش ومارادونا في صغرنا.(القدس العربي)
تعليقات بلوجر
تعليقات فيسبوك