بقلم: خيرالله
خيرالله
تغيّرت
المنطقة. من كان يعتقد ان الشرق الاوسط سيظل على ما هو عليه بعد الذي حصل في
العراق، لم يستوعب ان التغيير الذي شهده هذا البلد كان بمثابة زلزال ضرب الاقليم
كلّه. وصل الدور الى مصر حيث سيبقى يوم الرابع والعشرين من حزيران –يونيو 2012
يوما تاريخيا وذلك لفترة طويلة.
فبعد الذي
حصل في مصر في ذلك اليوم، الذي اعلن فيه رسميا فوز الدكتور محمّد مرسي في انتخابات
الرئاسة، بات في الامكان القول ان العالم العربي دخل عصر "الاخوان". يأتي
هذا العصر بعد عصر العسكر والانقلابات التي قاموا بها بدءا من العام 1949 عندما
استولى حسني الزعيم على السلطة في سوريا تحت حجة ان القيادة السياسية المدنية لم
تحسن ادارة حرب تحرير فلسطين. كانت النتيجة تحرير سوريا من افضل السوريين!
لم يأخذ
عصر العسكر بعدا مختلفا على الصعيد الاقليمي الاّ بعد انقلاب العام 1952 في مصر
والذي سمي "ثورة 23 يوليو". كان هذا الحدث نقطة تحوّل في كلّ العالم
العربي، خصوصا بعد العام 1956 وتأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي الذي تعرّضت له
مصر.
استطاع
جمال عبدالناصر تصوير الضغط الاميركي المباشر الذي ادّى الى الانسحاب البريطاني- الفرنسي-
الاسرائيلي من الاراضي المصرية المحتلة كلّها بانه انتصار عربي على "الاستعمار".
جعل العرب يؤمنون بالوهم. لم تكن هناك سذاجة عربية يمكن ان تتفوّق على هذه السذاجة
التي قادت الى سلسلة من الانقلابات العسكرية ان في سوريا او في العراق وكانت
الطريق الاقصر للوصول الى هزيمة العام 1967 التي لم يتعلّم معظم العرب شيئا منها...للاسف
الشديد.
غيّر
العسكر طبيعة المجتمع المصري الذي نقلوا اليه كلّ امراضهم وحقدهم على كلّ ما له
علاقة بالحضارة العالمية ذات الطابع الانساني. ذهبت ضحية هذه الامراض وهذا الحقد
المدن الكبرى على رأسها القاهرة والاسكندرية والاسماعيلية. عمدوا ايضا الى تجهيل
المجتمع وتدمير الاقتصاد. اسسوا في الواقع لمجتمع بائس وثقافة ضحلة تتجاوز حدودها
حدود مصر.
كانت نتيجة
ذلك تكريس وجود انظمة عسكرية ما لبثت ان تحوّلت الى انظمة امنية صرفة في غير بلد
عربي بما في ذلك سوريا والعراق وليبيا والسودان والجزائر. اذا تمعنا في طبيعة
الانظمة العربية التي اسقطتها الثورات العربية الاخيرة، نجد ان ما يجمع بينها هو
انها انظمة عسكرية اساسا صارت مع الوقت في قبضة الاجهزة الامنية. في تونس، جاء
العسكر بزين العابدين بن علي الى السلطة وما لبث ان ثبّت حكمه عن طريق الاجهزة
الامنية. كذلك فعل معمّر القذّافي الذي لم يكن يؤمن سوى بالاجهزة والامنية
والميليشيات التابعة له مباشرة والتي سمّاها "اللجان الشعبية". اما في
اليمن، وعلى الرغم من الخصوصية التي تميّز هذا البلد بسبب الطبيعة القبلية
للمجتمع، كان العمود الفقري للنظام الذي ظلّ قائما حتى العام الماضي الاجهزة
الامنية والتركيبة العسكرية الموازية لها.
يحصد
الاخوان المسلمون حاليا نتيجة فشل الانظمة العسكرية والامنية في هذا البلد العربي
او ذاك. وصولهم الى الرئاسة في مصر سيشكّل نقطة تحوّل وذلك على الرغم من انه سيكون
عليهم في المرحلة المقبلة اخذ مصالح المؤسسة العسكرية في الاعتبار. الى متى
سيتمسّكون بمضمون الصفقة التي عقدوها مع المؤسسة العسكرية، هم الذين تميّزوا حتى
الآن بكل الصفات المرتبطة بالجحود والغدر والانتهازية؟
بعد ستين
عاما على الانقلاب العسكري الذي غيّر مصر وغيّر الشرق الاوسط، يضع الاخوان
المسلمون يدهم على السلطة في اكبر بلد عربي. ما الذي لديهم يقدمونه لمصر والمصريين
والعرب الآخرين؟
في الخطاب
الاوّل الذي القاه الرئيس المصري الجديد الدكتور محمّد مرسي بعد اعلان فوزه رسميا
بالرئاسة، تحدّث عن ان "الثورة مستمرة". عن اي ثورة يتحدّث الرئيس
المصري الجديد؟ هل هي الثورة الحقيقية التي ستؤدي الى خلاص العرب قريبا من "عصر
الاخوان"؟
ما هو
النموذج الذي في استطاعة الاخوان تقديمه للمصريين؟ هل لديهم مشروع آخر غير مشروع
قطاع غزة، بما يحتويه من بؤس وقمع وتخلّف، اي مشروع العسكر ولكن بغطاء اسلامي؟
من الواضح،
اقلّه الى الآن، انّ ليس لدى الاخوان المسلمين ما يطرحونه، لا اقتصاديا ولا حضاريا
ولا انسانيا الاّ اذا اقتنعوا بانّ لا بديل من حوار وطني توضع فيه كلّ الاوراق على
الطاولة.
بين هذه
الاوراق الاقتصاد المصري وكيف يمكن تطويره. في النهاية ان نجاح الاخوان المسلمين
في تركيا كان نجاحا اقتصاديا قبل اي شيء آخر. وقد نجحت تجربة الاخوان الاتراك
لانها بنت على مؤسسات الدولة المدنية والعلمانية التي وضع مداميكها كمال اتاتورك. لا
تزال صور اتاتورك في كلّ الدوائر الرسمية التركية في حين لا وجود للاسف لاتاتورك
مصري يمكن البناء على المؤسسات التي خلفها.
ثمّة فجوة
ضخمة بين الفرحة العارمة التي تسود الشارع المصري بعد اعلان فوز مرشّح الاخوان
المسلمين على الفريق احمد شفيق الذي كان يشكّل فوزه فرصة لم يستطع المصريون
التقاطها. الامر الوحيد المطمئن رغبة الاخوان في احترام معاهدة السلام مع اسرائيل.
وقد عبّر عن ذلك الرئيس مرسي بشكل صريح. مثل هذا الالتزام يعكس رغبة في الانصراف
الى معالجة المشاكل الداخلية لمصر. هل يمكن عمل ذلك من دون الاعتراف اوّلا بطبيعة
هذه المشاكل؟
من دون
الاعتراف بطبيعة المشاكل التي تعاني منها مصر، وهي عائدة الى التركة الثقيلة التي
خلفها حكم العسكر الذي استمر ستة عقود، لا امل في تحقيق اي تقدّم من اي نوع كان. لن
يكون حكم الاخوان سوى ثمرة انقلاب آخر نفّذوه على دفعات وتوّجوه بخطف "ثورة
الخامس والعشرين من يناير".
قد تكون
الحسنة الوحيدة لحكم العسكر انهم منعوا انفجارا ضخما في مصر على شاكلة الانفجار
الذي تشهده سوريا منذ ستة عشر شهرا. اذا لم يعترف الاخوان بمدى عمق الازمة المصرية
التي لا تعالج لا بالشعارات الدينية ولا بايّ نوع من المزايدات التي تدغدغ مشاعر
المواطن العادي، فانّ ما شهدته مصر بعد تنحي الرئيس حسني مبارك، وقبل ذلك في
الايام الاخيرة من حكمه، سيكون مجرّد نزهة لا اكثر. بكلام اوضح، ستكون الثورة على
الاخوان هي الثورة الحقيقية وستكون الثورة الآتية اكثر عنفا واتساعا بكثير من
الثورة التي هزّت حكم العسكر ولم تنهه كلّيا بعد.(ميدل إيست أونلاين)
0 التعليقات :
إرسال تعليق