الإسلام السياسي والإمبريالية: وجهان لعملة واحدة!




بقلم: رشيد الخيون

لخص الباحث رأي أمين بالنقاط الآتية، والتي يفسر فيها ظاهرة الإسلام السياسي تفسيراً ماركسياً، يعتقد سامح نجيب خاطئاً، ومن خلال موقفه الاقتصادي، في تصنيف العالم إلى إمبريالي واشتراكي:

أولاً: إن الإسلام السياسي بمختلف قواه يستهدف الوصول إلى السلطة، ويستخدم الدين بشكل انتهازي لتحقيق أغراضه.

ثانياً: إنه مجرد أداة من أدوات الطبقة الرأسمالية.

ثالثاً: ما بين الجماعات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين والجماعات المسلحة مثل الجهاد ليس إلا تقسيم عمل بين استخدام العنف من جانب، والتسلل داخل مؤسسات الدولة من الجانب الآخر، والهدف في الحالتين هو الاستيلاء على السلطة.

رابعاً: إن المواجهة بين هذه الجماعات والأنظمة ليس إلا تنافساً بين قطاعات مختلفة من الطبقة الحاكمة، وهو تنافس وصراع حول السلطة سواء حدث ذلك بشكل مسلح كما في الجزائر أو بشكل سياسي كما في حال الإخوان المسلمين في مصر.

خامساً: لا يوجد أي تناقض بين الإسلام السياسي والعولمة الرأسمالية والليبرالية الجديدة بل إن هناك تكاملاً بينهم.

وسادساً: إن الإسلام السياسي ليس معادياً للإمبريالية، بأي شكل من الأشكال بل إنه أفضل من يخدم الإمبريالية وأن الاستثناءات مثل حماس وحزب الله ليست سوى نتيجة طبيعية للجغرافيا السياسية التي تضع مثل هذه الحركات في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي في خانة العداء للدور الأمريكي في المنطقة.

حسب ما تقدم يخلص سامح نجيب إلى أن سمير أمين وضع الإخوان المسلمين في مواجهة اليسار ككل، وبالتالي لا هوادة ولا هدنة ولا تفاهم، على أي برنامج سياسي أو انتخابي أو تقارب في الرؤى الوطنية، خارج العقيدة والإيديولوجية، وعلى اليسار محاربتهم على طول الخط. وأول المؤيدين لهذه الرؤية هو الباحث والكاتب والناشط السياسي رفعت السعيد، فهو في قطيعة تامة مع الإخوان عندما يطلق عليهم اسم "المتأسلمين"، وهي إشارة إلى استخدامهم الدين لأغراض السلطة، وتشي التسمية على أنها وردت رداً على اسم "الإخوان المسلمون".

ورؤية السعيد تُلخص بالنص المقتبس مِن كتاباته التي تعرض فيها للإخوان المسلمين منذ نشأتهم في العشرينيات من القرن الماضي. قال: "الماركسية إذ تؤكد إمكانية أن يلعب الدين دوراً في حركة التغيير الاجتماعي، أيْ: دوراً سياسياً، فإنها ترى أن ذلك رهن بمستوى محدد من التطور الاجتماعي ومن نمو الوعي الاجتماعي وتحديداً فإن الدور يتناقص بل ويتلاشى مع نمو الوعي الطبقي الذي يُحَول الصراع بين جماعات تخضع للاستغلال والاضطهاد فتتشبث بدين جديد يخالف ديانة الحكام وتتخذه محوراً لنضالها وخلاصها، وبين جماعات متميزة طبقياً تنتمي جميعاً إلى ذات الدين".

إلا أن مؤلف الكتاب يعتبر رؤية السعيد هذه، ونسبتها للماركسية، في أن يكون الدين دخيلاً على الوعي والصراع الاجتماعي، ما هيَ إلا تشويه للماركسية نفسها. ويوضح خطأ السعيد بالآتي: "إذا كان من الصحيح أن الطبقات الحاكمة استخدمت الدين لتبرير وتوطيد حكمها، فمن الصحيح أيضاً أن الطبقات المقهورة استخدمت الدين في كثير من الأحيان للتعبير عن احتجاجها وعن طموحاتها للتغيير. فالدين قابل لتفسيرات مختلفة بل ومتناقضة، والتعبير الديني للاحتجاج ليس مقصوراً على تلك المراحل الأولى فالقرن العشرين مليء بالحركات الاجتماعية والسياسية الحديثة التي لجأت للدين كوسيلة للتعبير. في أمريكا اللاتينية ظهر لاهوت التحرير الذي مزج بين الاشتراكية وتفسير حديث للمسيحية وفي آسيا امتزجت حركات التحرر الوطني بتفسيرات للبوذية والهندوسية".

ينطلق المؤلف في الفصل الأول: النشأة والصعود، ممهداً لرؤيته في وجود الإسلام السياسي ممثلاً بالإخوان المسلمين بمصر، من الكشف عن الصراع الطبقي والاقتصادي بمصر، قبل الإخوان المسلمين، وكيف أن التطور الرأسمالي قد تعرقل بمصر، وأن اقتصاد البلد بالأساس مبنيُّ على الزراعة، وتأتي زراعة القطن في المقدمة، وقد أثرت الأزمة البريطانية في صناعة النسيج على سعر القطن المصري، مما أدى إلى انهيار في هذا المجال.

كانت مصر، في تلك الأحوال، بحاجة إلى فعل سياسي يدير تلك الأزمة، فثورة 1919 تركت بصماتها في الوعي السياسي، وخلال ذلك تشكلت الطبقة العاملة بالمدن المصرية، ضمن العمل في المصانع وفي مقابل ذلك تشكلت الرأسمالية المصرية، مع الهيمنة الأجنبية على الصناعة، وخلال ذلك ظهرت دعوات إلى العدالة الاجتماعية، بعد حدة التباين بين الفقراء والأغنياء. ولا يُطيل علينا المؤلف في سرده لتلك الأحداث، ليصل بنا إلى هدفه وهو نشأة الإخوان المسلمين، إذ استطاع الشيخ حسن البنا مِن محاولة إيحاء الفكر الديني كعلاج لتلك الأزمات، ومنها الأزمة الأخلاقية والثقافية التي أسفرت عن الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، وقد وصفه الباحث أنه ذو أُصول برجوازية صغيرة، ومعلوم ما يحدد بين درجات البرجوازيات هو الملكية الخاصة، فحسب المفهوم الماركسي أن أصحاب الملكيات الصغيرة، وحتى البقالين وذوي المهن والطبقة المتوسطة عموماً تعد بشكل مِن الأشكال مِن البرجوازية الصغيرة.

كذلك ربط البنّا بين تلك الأزمات، في مجالات الحياة، المختلفة، والهيمنة الفكرية والسياسية الغربية مما قدم المؤلف سرداً وتحليلاً وافييْن لمختلف مراحل بناء تنظيم الإخوان المسلمين، ثم تطورهم مِن الفكرة الدينية ، في إرهاصات التأسيس، ثم الانطلاق في رحاب السياسية، وانتشارهم السريع بين فئات المجتمع المصري المختلفة، مِن الطلبة والأطباء والمهندسين والمعلمين وضباط الجيش. ثم تأتي قضية فلسطين والاختلاف في حلها مع اليسار، الذي اتخذ من الموقف السوفيتي موقفاً صريحاً في هذه القضية، وهو حل الدولتين: دولة فلسطينية وأخرى يهودية، مع أن الأحداث الحالية أكدت صحة ذلك الحل.

ونرى أن الإخوان المسلمين بمصر وفروعها في بقية البلدان قد حولوا تلك القضية إلى قضيتهم المركزية، وباسمها تشكلت الجمعيات الخيرية والسياسية، وبواسطتها التف حولهم الشباب، وكانت رايتهم الأولى هي النضال من أجل استعادة فلسطين، لكن من دون أن يحسب حساب استخدامها كوسيلة، في العديد من الأحايين، لغاية توسيع التنظيم، ودعم جهادهم ضد الحكومات الرسمية، ومن بعد الوصول إلى السلطة.

أما الفصل الثاني "من ناصر إلى مبارك" ففيه سرد المؤلف محطات الهبوط والصعود التي تعرض لها الإخوان، مروراً بفترة السادات، عندما استخدم الإخوان رسمياً لمواجهة اليسار المصري والناصرية بشكل عام.

وينتهي إلى القول: "لقد أفقدتنا أخطاء اليسار الإستراتيجية الفادحة الكثير من الوقت والكثير من الجذور الجماهيرية. وقد ساعدت هذه الأخطاء على خلق الفراغ السياسي الذي مكن الإخوان من توسيع نفوذهم وفرض أنفسهم بصفتهم قوة المعارضة الأساسية في مصر. لكن هذا الوضع قابل للتغيير سريعاً إذا ما تمكن اليسار المناضل من بلورة الاستراتيجيات والتكتيكات الصحيحة. فالتصاعد القادم في الصراع الطبقي سيخلق مساحات جديدة لزرع جذور قوية لليسار تمكنه من النمو وتوسيع نفوذه. إلا أن اليسار لن يتمكن من تحقيق شيء طالما ظل حبيساً لمواقف خاطئة لم يجْنِ منها سوى العزلة والتهميش.

كان الكتاب، على الرغم مِن قلة عدد صفحاته البالغة (130 صفحة)، جديداً في موضوعه، وقدم وجهة نظر مغايرة تماماً للنظرة التقليدية اليسارية أو الاشتراكية تجاه الإسلام السياسي، وبطبيعة الحال إذا لم تفسر الظاهرة تفسيراً صحيحاً يصعب التعامل معها، وما لاحظناه من الموقف اليساري بمجمله هو حصر جماعات الإسلام السياسي بخانة العمالة، مع أن الماركسية أول ما تفسر الظواهر بظروفها الموضوعية والذاتية، فالأزمات السياسية والاجتماعية في بلد مثل مصر عُرف بتدينه، أو الحضور الديني الإسلامي فيه، لا يفوت المحلل أو الباحث في ظاهرة الإخوان المسلمين مِن تجاوز ظروف البلد وإسهامها في نشأة تلك الجماعة. إن الرؤية اليسارية، التي انتقدها مؤلف الكتاب سامح نجيب، تجاه الإسلام السياسي أجدها متماهية مع وجهة نظر عدد مِن الباحثين والناشطين الإسلاميين تجاه الأحزاب اليسارية، بأنها محصورة في مقولة "الدين أفيون الشعوب"، وعلمانيتها، وأنها مرادفة للإلحاد، وما هي إلا صناعة روسية، مثلما اعتبر اليساريون الإخوان وبقية الجماعات ما هم إلا صناعة غربية أمريكية.(مركز المسبار للدراسات)
شارك على جوجل بلس

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق