حوار: حسن سلمان
قال الباحث التركي محمد زاهد غول إن أنقرة ساهمت
بشكل غير مباشر في تهيئة الظروف لانطلاق الربيع العربي، مشيرا إلى أن الدول
العربية "كانت فاقدة للبوصلة السياسية ، ما جعل المواطن العربي يحقد على النظام
السياسي الذي عجز عن الدفاع عن نفسه".
وأكد في حوار خاص مع صحيفة "العرب" اللندنية أن بعض الأنظمة العربية سارعت لإقامة تحالفات مع من يعتبرهم المواطن العربي أعداءه التاريخيين والمعاصرين "مما جعل المواطن العربي يتلفت في كل اتجاه، باحثاً عن منقذ أو مخلص يصحح المسار ويصوب العقول".
وتتهم بعض الدول المجاورة (وخاصة دمشق)، أنقرة بالتدخل
في شؤونها الداخلية، في وقت تستضيف فيه تركيا
عدد كبير من المعارضين السوريين.
وتؤكد دمشق
أن بعض مقاتلي المعارضة وخاصة "جبهة النصرة" الإسلامية تتلقى دعما مباشرا
من أنقرة التي تستضيف أيضا منظومة لصواريخ الباتريوت على الحدود مع سوريا، فيما
تؤكد أنقرة أن تدخلها في سوريا يقتصر على "الجانب الإنساني والحلول دون تكرار
التجربة الليبية في البلاد".
وتقيم تركيا مخيمات في الجنوب تستقبل آلاف اللاجئين
السوريين، وتواجه ضغوطا من قبل المعارضة السورية وبعض الدول الغربية لإقامة معسكر أميركي
لتدريب المقاتلين على غرار الأردن.
وقال غول إن طهران تراهن على حصان خاسر من خلال
دعمها المستمر للنظام السوري، مشيرا إلى أنقرة لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء التدخل
الإيراني "الذي يهدد بإشعال المنطقة بالحروب المذهبية".
وأضاف "من الأفضل لطهران أن تلتفت لحل
مشاكلها مع المجتمع الدولي ووكالة الطاقة الذرية، وتترك الشعوب العربية تحل
مشاكلها بنفسها مع حكامها المستبدين".
ويؤكد مراقبون أن طهران تمد النظام السوري
بالمقاتلين والأسلحة عبر لبنان والعراق، مشيرين لوجود عناصر من الحرس الثوري وحزب
الله يقاتلون إلى جانب الجيش السوري، فيما تؤكد دمشق أن المساعدة الإيرانية تقتصر
على الدعم الاقتصادي والإنساني.
وقال غول إن إيران بحاجة إلى مساعدة تركيا
والدول العربية في حل مشاكلها مع المجتمع
الدولي ومنع أي عمل عسكري ضدها، مشيرا إلى أن العرب لم يحاولوا حتى الآن دعم
المعارضة الإيرانية ضد النظام "بخلاف ما تفعل طهران اليوم في العالم
العربي".
وأضاف
"إن العقل والدين والضمير يدعو تركيا وإيران والعرب للعمل أكثر لمنع الحروب الأهلية
بين المسلمين عموما والسوريين بشكل خاص، وعلى طهران أن تتوقف عن دعم الأقليات
المذهبية في العالم العربي بحجم دعم حق الشعوب بالتحرر".
ويرى البعض أن "الميكيافيلية التركية"
بدأت تتخلى عن سياسة "صفر من المشاكل" التي اعتمدها مهندس السياسة التركية
وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو وخاصة بعد صعود حكومات إسلامية في "دول الربيع
العربي".
ويدلل هؤلاء على فكرتهم بقول أوغلو إن ما يحدث في
العالم العربي هو "بمثابة تدفق طبيعي للتاريخ، وحدث عفوي وضروري كان ينبغي أن
يحدث في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي".
ويقول غول "لقد كانت دبلوماسية تصفير المشاكل
ناجحة بكل المقاييس، لأنها دعت إلى التفاهم والتعاون بين الدول والشعوب معاً، وسرعان
ما حققت بعض ثمارها الاقتصادية والسياسية عند العرب والأتراك".
لكنه يؤكد أن ضخامة المظاهرات
في الربيع العربي أذهلت العالم والأتراك بشكل خاص، مشيرا إلى أن الحكومة التركية كانت ستستمر
بتأييد المظاهرات ومساندة الحكومات في معالجتها لها بنفس الوقت "لو لم تقوم الحكومات
العربية بمواجهة هذه المظاهرات السلمية بالعنف والبطش وإراقة الدماء والقتل المفرط
للمتظاهرين".
كلام غول قد لا يجد أذنا صاغية لدى بعض الأطراف الذين يتهمون "العثمانيين
الجدد" بمحاولة الاستفادة من "الربيع العربي" عبر دعم الحكومات الإسلامية
والترويج للثقافة التركية (افتتاح مدرسة تركية في تونس) والسيطرة الاقتصادية (الاتفاقيات
التي وقعها أردوغان مع تونس وليبيا).
لكن غول يؤكد أن فكرة "العثمنة" ظلت نائمة
طوال عقود، لكنها أوقظت وتم استدعاؤها في أعقاب فوز حزب العدالة والتنمية وتوليه للسلطة،
و"منذ ذلك الحين استُخدمت في تشويه تجربة الحزب ووصف رئيس الجمهورية عبدالله غول
ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ورفاقهما بـ'العثمانيين الجدد' في رسالة تخويف للداخل
والخارج".
ويستغرب اعتراض البعض على انفتاح حكومة أردوغان على
العالم العربي والإسلامي، ومحاولتها مد الجسور وإلغاء تأشيرات الدخول مع العالم العربي
"في تجاوز للسياسات التي اتبعتها الحكومات السابقة التي دأبت على توثيق العلاقات
مع العالم الغربي، وفي إعلان ضمني عن أن تركيا أمامها بدائل وخيارات أخرى".
ويشير إلى رد أحمد داود أوغلو على امتعاض باريس
من الانفتاح التركي العربي بقوله "نعم نحن العثمانيون الجدد نعتز بإرث بلادنا
وملزمون بالاهتمام بالدول الواقعة في منطقتنا"، مشيرا إلى أنه أصدر تعليماته لوزارة
الخارجية بأن يجد ساركوزي كلما رفع رأسه في أفريقيا سفارة لأنقرة يرتفع عليها العلم
التركي.
لكن بعض المحللين يرون أن أنقرة التي نجحت لعقود
في "غزو" العالم العربي ثقافيا وفنيا (دراما تركية) واقتصاديا، بدأت تتأثر
مؤخرا بنمط السياسة الغارقة في مصائب الطائفية والتمزق، فيما يرى آخرون أن تركيا تسعى
لإقامة "تحالف سني" ضد "المدة الشيعي الإيراني" في المنطقة العربية.
ويقول غول "إن السياسة التركية مطالبة اليوم
بالعمل على إطفاء أسباب الحرائق في المنطقة، ومعالجة أسبابها وقطع دابرها، فزيارة وزير
الخارجية التركي قبل مدة إلى طهران وعدد من الدول العربية تحمل ملفات ساخنة وخطيرة،
في أن المنطقة لا تحتمل حروباً بين أبناء الأمة الواحدة".
ويرى أن مسؤولية الدول المجاورة لسوريا "تفرض
عليها مسؤولية إنسانية وأخوية مع الشعب السوري حتى تقوم بواجباتها، وأن تفتح أبوابها
لقوى المعارضة وأهالي المتظاهرين والقتلى والجرحى أن يوصلوا إليهم كل متطلبات العيش
والصمود والماء والغذاء والأدوية والإمدادات".
ويؤكد
أن التجربة الليبية يجب أن تشكل درسا جيدا لدول الجوار "فلو أمدت الدول العربية
المجاورة الشعب الليبي بأسباب الثبات والعيش والقوة لما اضطر إلى طلب المساعدة الدولية
والأجنبية".
يذكر أن أنقرة وتل أبيب اتفقتا مؤخرا على اعادة العلاقات
الدبلوماسية الكاملة بينهما بعد قطيعة استمرت ثلاث سنوات، ويرى المراقبون أن
الضغوط الأميركية وتصاعد النزاع السوري عجلا بإنهاء الخلاف بين الدولتين الحليفتين
في وقت تتجه فيه المنطقة نحو المجهول.(ألوان نيوز)
0 التعليقات :
إرسال تعليق