دمشق - يمضي محمد يومه متنقلا بين الحواجز العسكرية التي تتكاثر في دمشق هذه الأيام وتحول حياة السوريين إلى كابوس يومي قد ينتهي بالموت أو الاختطاف في أحسن الأحوال.
ويقول محمد
"باتت الحياة كارثية هنا، فبغض النظر عن الفوضى وتضاعف أسعار الغذاء والوقود،
تستقبلك يوميا عشرات الحواجز العسكرية بالكتل الإسمنتية وأكياس الرمل وعشرات
الجنود بعتادهم العسكري الكامل، ما يحول عاصمة الأمويين إلى سجن كبير".
ويقدر بعض
الناشطين عدد الحواجز العسكرية في دمشق بحوالي 300 حاجز تقطع أوصال المدينة التي
كانت فيما مضى تضج بالحياة، ويساهم هذا "الكائن الجديد" الذي يلوث
المنظر الجمالي للمدينة في بث الرعب لدى الدمشقيين الذين يتسمون عادة بالهدوء
والود الكبيرين.
ولا يقتصر وجود
الحواجز على دمشق وحدها بل ينسحب على أغلب المدن السورية التي تشهد صراعا مستمرا
بين النظام والمعارضة منذ أكثر من عامين.
ويتسابق النظام
والمعارضة في إقامة هذا النوع من الحواجز بهدف تأكيد سيطرتهما على المناطق الخاضعة
لنفوذهما، حيث يشكو سكان مدينة حلب (العاصمة الاقتصادية لسوريا) على سبيل المثال من
المعاملة السيئة التي يتلقونها على حواجز الجيش الحر.
وتؤكد نسرين
أنها تحاول قدر الإمكان عدم الخروج من منزلها في أحد الأحياء التي يسيطر عليها
الجيش الحر في حلب، مشيرة إلى أنها تتعرض غالبا للتحرش من قبل عناصر الحاجز في حال
كانت تسير بمفردها.
وتضيف "الحياة أشبه بجحيم في حلب، هؤلاء الذين جاؤوا لتحريرنا من النظام باتوا اليوم أسوأ
منه بكثير، على الأقل كنت في السابق أستطيع السير وحدي بحرية ودون مشاكل، أما
اليوم فيفرضون علينا الالتزام باللباس الشرعي وأحيانا عدم الخروج دون محرم!".
ويميل بعض
المراقبون إلى المساواة بين ممارسات النظام والمعارضة في بعض المناطق، وخاصة عندما
يتعلق الأمر بالحواجز التي يرى أحد المراقبين أنها حولت سوريا إلى سجن كبير
"الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود".
ويضيف "بعض
المعارضين يرغبون بتقليد ممارسات النظام السوري عبر عمليات القتل والاختطاف التي
يقومون بها بشكل يومي، ويكفي أن تعرف مثلا أن الرحلة من جرمانا (بلدة بريف دمشق
تبعد 5 كم عن
العاصمة) إلى دمشق تستغرق عدة ساعات بسبب الحواجز التي تخنق المدينة، باختصار:
دمشق اليوم أمست منغلقة جدا كحاراتها القديمة".
وخلف الصراع
السوري المستمر منذ عامين أكثر من 80 ألف قتيل، فضلا عن آلاف المفقودين والجرحى
وملايين اللاجئين داخل وخارج البلاد، حسب تقديرات الأمم المتحدة.
وأدى النزاع
الحالي لتكاثر عمليات الاعتقال والخطف على يد الموالين للنظام والمعارضة، في وقت
يتعاظم فيه خطر الجماعات المتشددة كجبهة النصرة التابعة للقاعدة والتي بدأت بتطبيق
"الشريعة" في عدد من المناطق الخاضعة لها في شمال وشرق البلاد.
وكان الرئيس السوري بشار الاسد أصدر مرسوما يشدد
العقوبة على جرائم الخطف لتصل الى الاعدام في بعض الحالات في محاولة يائسة لإعادة
الأمن وضبط الأوضاع الأمنية المتدهورة.
ولم يذكر المرسوم صراحة عمليات الاعتقال الممنهج التي
يقوم بها النظام حتى ان البعض بات يعتبر ان الاذرع الامنية و"الشبيحة" هم
اكبر جهة تقوم بعمليات الخطف في سوريا، وفق موقع "سيريا نيوز" الإلكتروني.
ويشير
إلى أن الفرق الوحيد بين الاعتقال وعمليات الخطف التي تقوم بها بعض الجماعات المسلحة
بان من يُختطف على الحواجز او من قبل العناصر الامنية والموالية للنظام لا يعرف عنه
شيء.
واضطرت سلاف للنزوح مع بعض أفراد عائلتها الى تركيا
بسبب الأوضاع المضطربة في بلدتها الواقعة بالمنطقة الشرقية في سوريا، وتلقت منذ مدة اتصالا يؤكد خطف والدها من قبل الجيش
الحر بسبب علاقته السابقة مع النظام.
لكنها تشير إلى أن الخاطفين غيروا روايتهم عدة
مرات ليؤكدوا في البداية أنهم موالون للنظام وان والدها ارهابي، وليدعوا لاحقا بأنهم
اسلاميون يريدون استرجاع الاموال "لبيت مال المسلمين"، مشيرة إلى أنهم
طلبوا فدية قدرها 17 مليون ليرة (حوالي 150 ألف دولار).
ويبدي بعض السوريين تفاؤلا حذرا بشأن انفراج
محتمل للأزمة التي تلف بلادهم، لكنهم يؤكدون في هذا الوقت أن إزالة الحواجز الاسمنتية
من الشوارع أسهل بكثير من إزالة الحواجز الاجتماعية والنفسية التي ساهم النظام
والمعارضة بخلقها لدى عدد كبير من السوريين.(ألوان نيوز)
0 التعليقات :
إرسال تعليق