بقلم: فاروق يوسف
كانت الاعتصامات التي نفذتها جماعة الاخوان المسلمين
في مصر وسيلة ضغط مزدوجة الهدف، فهي بالنسبة للمعتصمين، حسب الشعارات المرفوعة في اماكن
الاعتصام محاولة لاستعادة ما يسمونه بالشرعية، بالمعنى الذي يؤدي إلى إعادة الرئيس
المعزول محمد مرسي إلى كرسي الحكم. اما بالنسبة لزعماء التنظيم الديني فقد كانت تلك
الاعتصامات محاولة لكسر الطوق القانوني الذي فرض عليهم والذي سيقودهم إلى المحاكمة
بتهم عديدة، ابرزها التحريض على القتل.
كان زعماء الجماعة يأملون أن تؤدي الضغوط الشعبية
والزيارات التفقدية التي قامت بها وفود أوروبية الى أن تضطر الحكومة المصرية إلى القبول
بحل للأزمة عن طريق الموافقة على خروج آمن لأولئك الزعماء يجنبهم الخضوع لاحكام القضاء
التي لا يمكن التراجع عنها. شيء من هذا القبيل لم يقع. لقد اصطدمت آمال المرشد وأتباعه
الذين يقبعون في المعتقل في انتظار محاكمتهم بموقف رسمي وشعبي متمسك بالقانون بطريقة
لا لبس فيها.
لقد تأخر الوقت إذن.
كان من المحتمل أن تجري الامور بطريقة مختلفة لو
أن جماعة الاخوان قد أظهرت في وقت سابق نوعاً من الليونة في فهم الوضع السياسي الذي
صار بمثابة واقع بعد الثلاثين من يونيو. لو أنهم استجابوا للنداءات التي وجهت إليهم
للانضمام إلى الحياة السياسية من جديد، من موقع الشراكة الوطنية. لو أنهم كفوا عن التلويح
بالقوة من أجل استعادة حكم فقدوه باراة شعبية.
في مرحلة الصدمة الأولى لم يكن في إمكان الجماعة
التي تنظر إلى وجودها في السلطة من جهة كونه حقاً مطلقاً أن تعترف بحق الشعب في العودة
عن نتائج صناديق الاقتراع. كما لو أن سنتها التجريبية في الحكم لم تكن كافية لكي يدرك
الشعب المصري أن ذهابه إلى الهاوية صار محتماً وصار عليه أن يتدخل لايقاف ذلك الانحدار
من خلال استبعاد أسبابه.
وبسبب الاصرار على الشرعية التي فقدت رصيدها الشعبي
فقد اصيبت الجماعة بالعمى السياسي، فلم يعد في إمكانها أن ترى ما يجري من حولها وأن
تفهم أن الظرف التاريخي لا يسمح لها في الزج باتباعها ومريديها في معركة، كان الشعب
المصري طرفها الآخر. لقد افضى ذلك العمى بأولئك الاتباع إلى أن يعيشوا عزلة خانقة،
كرست خلافهم المصيري مع المجتمع حين رفعوا شعارهم "قتلانا في الجنة وقتلاهم في
النار".
لقد تماهت جماهير الاخوان مع صورة الجماعة باعتبارها
عدواً.
اما وقد اتضح لزعماء الجماعة الدينية أن لا تراجع
عن الارادة الشعبية وأن وجودهم في الحكم صار نوعاً من الماضي الذي لا يمكن استعادته
فقد صاروا يأملون في أن يؤدي استمرار أتباعهم في الاعتصام إلى تراجع الدولة عن قرارها
في تقديمهم إلى القضاء باعتبارهم مرتكبي جرائم في حق الشعب المصري.
ولم يكن ليخطر في بالهم أن الدولة ستلجأ إلى ممارسة
حقها القانوني في منع الفوضى.
الآن وبعد أن نفذت الدولة قرارها القانوني في فض
اعتصامات الاخوان صار واضحاً أن العلاقة بين الاخوان من جهة وبين الدولة المصرية من
جهة أخرى لن تتسم بطابع المفاوضات. فما من دولة تحترم شعبها تلجأ إلى التفاوض مع جماعة
قررت أن تفرض رأيها على الدولة والشعب بالقوة.
صار على الجماعة الدينية ان تدرك أن حجمها لا يؤهلها
إلا لتكون جزءاً من نسيج الحياة السياسية في مصر، وإذا ما كانت لا تزال تنظر إلى هذا
الامر بطريقة متعالية فان عليها أن تدفع الثمن الذي يجب أن يدفعه كل شخص أو جماعة تقرر
الخروج على القانون.
إن ما هو ثابت حتى هذه اللحظة أن الجماعة التي انتظرت
أكثر من سبعين سنة لتستولي على الحكم الذي خسرته خلال سنة من الفشل صار عليها اليوم
أن تفكر في طريقة تنقذها من الغياب التام عن المشهد المصري.(ميدل إيست أونلاين)
0 التعليقات :
إرسال تعليق