"شرعية" قطع الرؤوس من هتلر إلى داعش


بقلم: سمير عطا الله

الصورة الأولى التي حرص تنظيم داعش على بثّها إلى العالم، كانت صورة "إعدام". والإعدام مصطلح قانوني يعني أنه قد سبقه محاكمة وإدانة وإثبات. لكنه استخدم هنا في قتل: أولا رهائن ضعفاء، وثانيا أبرياء، لا علاقة لهم بـ"داعش" أو بأعدائه، سوى صدفة المكان والزمان.


"داعش" كان يعرف ذلك أكثر من سواه، لكنه كان في حاجة إلى مشهد.. إلى مدخل، وإلى إعلان. والمشهد، أو المدخل، أو الإعلان يحتاج إلى عنوان: الرعب! وميزة الرعب، أنه شامل، يجب أولا أن يتبلَّغه السكان كي يتعرفوا على عاقبة التمرد، وثانيًا الحلفاء، كيف يتعرفون إلى عاقبة الخيانة، وثالثًا الأعداء، كي يتعرفوا إلى طبيعة الحرب.

القتل تحت اسم الإعدام هو أبلغ الأساليب، وهو أيضا أقدمها، ووجوهه الحديثة من تلفزيون وإنترنت ووسائل تواصل همجية، ما هي إلا تقاسيم على إيقاع بشري غرائزي، يتوسل الحد الأقصى من التوحش لكي يبلغ الحد الأقصى من الرعب. وليس بينها رادع أو تردد أو تأمل. الإعدام هو الجزء الأهم في عملية إخراجية طويلة: أولاً، تمجِّد نفسك ومن ثم تسخِّف عدوك.. أنت البطل وهو اللا شيء.. أنت يُهلل لك وهو يموت كالنعاج. ويجب أن تكون لك دومًا صفة فوقية تتجاوز البشر العاديين.

الذين صنعوا صورة موسوليني وهتلر، كرروا دائما الصفات التي تجعلهما أهم من المسيح. وهما ليسا القائدين أو الزعيمين فحسب، وإنما هما من تتشرف بهما القيادة والزعامة. وقد قلدهما في ذلك كثيرون. وحولت النشأة المتواضعة إلى جزء من الصورة المقدسة وفروض العبادة الشخصية.

وفي سبيل الوصول، ثم في سبيل البقاء، تُصاغ الأساطير وترسل الألقاب ويباد المشككون.

هذه الإبادة مرحلة جوهرية أخرى من مراحل الصورة أو مربعاتها. مدعي عام الثورة الفرنسية، توكان تونفيل، كان يطلق رجاله في أنحاء باريس معلنًا: أريد مائة جثة هذا النهار. وكانت الناس تُدعى إلى ساحة المقصلة للاحتفال. يجب أن تنقل أخبار المشهد إلى جميع أرجاء فرنسا. وحيث لا يصل خلال يومين قد يصل خلال ثلاثة. ودائما تضاف إليه المبالغات والدراميات و"حكمة" أهل الثورة في قرار الإبادات الجماعية.


تعلمت "الثورات" من بعضها لغة الدم وشرعية الرؤوس المقطوعة، ودائما جاوزت التالية الأولى. ترك لينين خلفه تجربة ثورية أدت إلى مقتل 100 مليون إنسان معظمهم من الأبرياء الذين لا علاقة لهم بشيء، وكثيرون منهم من "الرفاق".. الدرس الأول: يجب ألا ينام أحد وهو يشعر بالطمأنينة.(الشرق الأوسط)
شارك على جوجل بلس

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق