بنغازي (ليبيا) - الثورة التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي، رافقتها ثورة
افتراضية على الانترنت. شباب ليبيا اصبح شديد الارتباط بالمواقع الاجتماعية فيسبوك
وتويتر، وتتباين طبيعة اهتمامتهم.
الدعوات التي أطلقها نشطاء ومستخدمون
شبان على موقع فيسبوك لثورة السابع عشر من فبراير 2011 ضد نظام العقيد معمر
القذافي، شكلت منعطفا في تاريخ البلاد وفي علاقة الليبيين بوسائل التواصل
الاجتماعي الحديثة، فقد تفاعلت دعوات النشطاء ووصلت إلى حد ثورة أسقطت نظام العقيد
القذافي العام الماضي بعد حكم دام لأكثر من 42 عاما.
إبان الثورة الليبية وبعدها أضحت
علاقة الشباب الليبي بالانترنت وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر،
تشبه الإدمان.
ويرى خبراء بأن اهتمام الشباب الليبي
وشغفه بالانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي زاد بشكل ملحوظ تأثرا بالثورتين
التونسية والمصرية، نظرا لمساهمته الفعالة في إسقاط أكثر طغاة المنطقة قوة
وديكتاتورية.
لكن اهتمامات الشبان عبر الانترنت
والمواقع الاجتماعية تنوعت بين السياسة والنشاط الثوري والقضايا الاجتماعية
والخدمات مثل الدراسة، اضافة للصداقات والعلاقات الحميمية.
اكتشاف عالم التواصل الاجتماعي
تقول المدونة الليبية فرح محمد إن "مشاركاتي
كانت بسيطة في مجموعات التواصل عبر فيسبوك، ولكن بعد اندلاع ثورة 17 فبراير توسعت
المجالات وبدأنا نبحث في مجالات الديمقراطية التي حرمنا منها القذافي سابقا".
أما المدونة هبة أحمد الكوشلي، فتقول إن "استخدامي
للإنترنت كان لغرض التواصل مع الأصدقاء والبحث عن معلومات مفيدة في دراستي، وكذلك
الإطلاع، أما استخدامي له بعد الثورة فقد بات أكثر فاعلية لكوني عرفت المعنى
الحقيقى للسياسة".
وتضيف هبة "كل يوم لابد أن
أتصفح الانترنت وأشارك بمواضيع وأتعلم كل يوم من أبسط القصص المعروضة على فيسبوك
أو المنتديات (فوروم)، وطبعا أشارك في المجموعات الليبية غالبا للتعبير عن الرأي
بكل حرية في المواضيع المهمة وللنقاش فيما يخص نمو وبناء مستقبل زاهر لليبيا".
ثورة فيسبوك
وفي ردها على سؤال حول الفرق بين
تواصلها عبر المواقع قبل وبعد الثورة، توضح الناشطة هاجر زياد أن "عهد
القذافي لم يكن خلاله الخوض في الأمور السياسية بالأمر السهل"، وعندما قام
المصريون بثورتهم "تفاعلت جدا معهم وشاركتهم من خلال المجموعات وعبرت عن
فرحتي بهذه الثورة".
وقالت هاجر"لم أكن أجرؤ على
البوح بأنني أتمنى أن تنتقل نسائم الحرية لتهب على بلادي الحبيبة فهي أحق من
الجميع بالثورة لتقتلع جذور الظلم والاضطهاد لعهد طال 42 سنة، وبعد التحرير كان
الإنترنت هو المصدر الأساسي الذي أعتمد عليه في الأخبار و شاركت في كثير من
المجموعات للنقاش و للتحاور".
ويقول المدون عادل محمد "ازدادت
مشاركاتي بحماس في النقاش في القضايا السياسية التي تهم الشارع العربي في الوقت
الذي اندلعت فيه الثورتين التونسية والمصرية وكانت الثورة الليبية على الأبواب،
فلقد كنت أتواصل مع أصدقائى في الخارج وأحدثهم عما يحصل في ليبيا من انتهاكات
يرتكبها نظام القذافي".
ويضيف "أما بعد تحرير كامل تراب
ليبيا فقد ازداد اهتمامي بأخبار السياسية والتصفح المستمر على المواقع الالكترونية
فأصبح شغلي الشاغل معرفة كل ما هو جديد من أخبار من خلال هذه المواقع".
المجتمع الافتراضي الذي قهر
القذافي
نظام القذافي كان من أعتى
ديكتاتوريات العالم، ولكن شباب فيسبوك تمكنوا من تفكيك شفرته، ويقول الناشط أيمن
عبد الوهاب "في عهد القذافي كان لدي فضول في معرفة الكثير عن قصص وخفايا نظام
القذافي فكنت أجد في الانترنت الإجابة التي ابحث عنها، طبعا هذا كان في ظل التعتيم
فكنا نحاول اكتشاف أخبار المعارضة الليبية في الخارج و آخر أخبار الحراك السياسي".
ويؤكد أنه "في بداية اندلاع
ثورة تونس ظهر مدى تأثير المواقع الاجتماعية على الناس و خاصة فئات الشباب في
إنشاء مجتمعات داخل الانترنت والقيام بالحراك السياسي من تنظيم للمظاهرات وتحريض
على الثورة و كنا نتابع ذلك أولا بأول".
وبعد نجاح الثورة التونسية والمصرية
قام القذافي بحجب موقع فيسبوك، "إلا انه قد فات الآوان فقد كان الشباب قد
انطلقوا في تنظيم انفسهم للإطاحة به وقد فعلوا" يوضح عبد الوهاب.
ويضيف "بعد تحرير البلد أصبح
الفيس بوك الموقع الأول و بلا منازع لما له من انتشار واسع يتيح للشخص مراسلة
الناس و تقديم النصائح والإخبار أولا بأول".
سلاح ذو حدين
وتظهر آراء عدد من النشطاء
والمستخدمين التي استطلعها وجود تباين في أبعاد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي
وأغراضها، كما يرى محمد صالح الناشط الاجتماعى والباحث في مجال العلوم الاجتماعية
بجامعة بنغازي، الذي يقول "المواقع الاجتماعية سلاح ذو حدين من خلالها تلتقي
كل أطياف المجتمع، ويتعين ان يكون الشخص واع بطبيعة المعلومات التي يتعامل معها".
ويضيف "يجب أن يكون المستخدم
علي قدر كبير من المسؤولية في التعامل مع الأخبار وعدم تصديق كل ما يشاع بالإضافة
إلي عدم إغفال أي معلومة".
الثورتان التونسية والمصرية
ألهمتا الشباب الليبي
وحول طبيعة التحديات الجديدة
لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، يعتقد الخبير الاجتماعي ان "مواقع التواصل
الاجتماعي لعبت دورا كبير في الحراك الليبي، وبعد ان قامت الشبكات الاجتماعية في
ليبيا بعد بدورها في التعبئة والحشد للجماهير أصبحت تواجه بتحديات تنطلق بعدم
الوعي لدى الفرد بمخاطر استخدامها أو فيما يتعلق بإشكاليات معاملتها القانونية أو
في سقف الحرية الذي تتمتع بها وتأثيرها السياسي والاجتماعي والديني".
ويأتي هذا في إطار عملية الانتقال
والتحول من حقوق الإنسان المادية إلي حقوق الإنسان الرقمية والتي أصبحت حقا من
حقوق الإنسان المعاصر حيث تتحرك الأخيرة عبر الوسيط والفضاء الالكتروني، كما يعتقد
الخبير الليبي مضيفا "أصبحت تلك الحقوق الجديدة تؤشر لدرجة التحول السياسي
والحرية لدي العديد من دول العالم وخاصة بعد أن تضخم عدد مستخدمي الانترنت في
ليبيا، وأصبحت الشبكات الاجتماعية أكثر من مجرد وسيلة لنقل الخبر أو التعليق عليه
ليصبح لها دور في معالجته ومتابعته و أثارت ردود الأفعال حوله مع القدرة الهائلة
علي الإنتشار".
وتكتسي التحديات الجديدة لاستخدام
مواقع التواصل الاجتماعي تعقيدات خاصة في ليبيا، ليس فقطك بسبب ضعف البنيات
القانونية والمهنية والاعلامية التي تؤطر استخدامه، بل ايضا بسبب هيمنة الانساق
التقليدية في المجتمع. ويرى الخبراء ان المجتمع المدني ووسائل الاعلام الحديثة
يمكنها أن تلعب دورا استراتيجيا في توعية الشباب بأهمية استخدام مواقع التواصل
الاجتماعي وتوظيفه بشكل أفضل في حياتهم الشخصية والمهنية وعلاقاتهم الاجتماعية.(دويتشه
فيلله)
0 التعليقات :
إرسال تعليق