بقلم: توماس
فريدمان
الله وحده
يعلم أنني أدعو لقوات المعارضة في سوريا بأن تنتصر بمفردها بأسرع وقت ممكن وأن
يتضح فيما بعد أن نواياها ديمقراطية كما نأمل جميعا، ولكن فرصة حدوث هذا الأمر تعد
قليلة للغاية، وهو ما يرجع بالأساس إلى أوجه التشابه الكبيرة بين سوريا والعراق.
وبالتأكيد
تعتبر سوريا هي توأم العراق؛ حيث تتعدد الطوائف الدينية في البلدين كما حكمت
الأقلية في البلدين بطريقة ديكتاتورية وبقبضة حديدية بموجب آيديولوجية حزب البعث.
وبالنسبة لي، فالدرس المستفاد من العراق هو في غاية البساطة: لا يمكنك الانتقال من
نظام صدام حسين إلى النظام السويسري دون أن تعلق في فترة عنف انتقالية - حرب يشنها
الجميع ضد الجميع - إلا في حالة واحدة وهي أن يكون لديك «قابلة» مدربة ومسلحة
جيدا، «قابلة» يخشاها الجميع ويثقون بها في الوقت نفسه لإدارة المرحلة الانتقالية.
وفي الحالة العراقية، كانت الولايات المتحدة هي من قام بدور «القابلة».
أما دور
«القابلة» منخفض التكاليف الذي قامت به الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي
(الناتو) باستخدام أجهزة التحكم عن بعد لإسقاط القذافي وخلق دولة جديدة في ليبيا،
فليس من المحتمل أن يتكرر في سوريا. فالوضع في سوريا أكثر تعقيدا، فسوريا هي
العراق.
كانت
العراق بمثابة التجربة المريرة بالنسبة للولايات المتحدة والتي نفضل عدم الحديث
عنها مرة أخرى، ولكن من الجيد الحديث عن التجربة العراقية في مثل هذا السياق.
يعتبر السبب الوحيد الذي مكن العراق من أن يحظى بأي فرصة لإدراك النتائج الرائعة
التي تحققت في الوقت الحالي هو وجود الولايات المتحدة الأميركية على الأرض بعشرات
الآلاف من الجنود للعب دور «القابلة» هناك، حيث إنها طرف موثوق به، نوعا ما،
ويخشاه الجميع، بكل تأكيد، لإدارة المرحلة الانتقالية في العراق حتى يتسنى الوصول
إلى المزيد من التوافق السياسي. يخبرني حدسي بأن سوريا ستحتاج لنفس الأمر حتى
تستطيع تحقيق نفس النتائج.
وحيث إنني
بكل تأكيد لا أنصح الولايات المتحدة الأميركية بالتدخل العسكري على الأرض في سوريا
أو في أي مكان في العالم العربي مرة أخرى، وحيث إن الرأي العام الأميركي لن يدعم
مثل هذه الخطوة، فإنني آمل أن يكون تحليلي هذا تحليلا خاطئا وأن يتمكن السوريون من
إبهارنا عن طريق العثور على الطريق الخاص بهم نحو مستقبل سياسي أفضل في البلاد فقط
باستخدام السلاح المتوافر في أيديهم والدعم الدبلوماسي.
أعلم أنه
من المفترض أن يقوم كتاب الأعمدة بقلب الطاولة والإعلان صراحة عما يرونه ضروريا.
ولكن عندما تعتقد أن ما تراه ضروريا، والذي يتمثل في «قابلة» أجنبية في سوريا، هو
أمر مستحيل، فستكون بحاجة لقول مثل هذا الكلام. أعتقد أن هؤلاء الأشخاص الذين
يدافعون عن قيام الولايات المتحدة الأميركية بالمزيد من التدخل النشط في سوريا
وينتقدون الرئيس الأميركي باراك أوباما بشدة لعدم قيامه بهذا الأمر لا يتسمون
بالواقعية حول ما سيتطلبه الأمر للتوصل إلى نتائج جيدة في سوريا.
والسبب في
ذلك يرجع إلى أن البديل للأوضاع السيئة في الشرق الأوسط لا يكون دوما أمرا جيدا،
حيث من الممكن أن يكون أكثر سوءا. أنا مفتون بشجاعة هؤلاء الثوار السوريين الذين
قاموا بهذه الثورة بصورة سلمية ومن دون استخدام أية أسلحة ضد نظام يتبع ما أسميه
«قوانين حماه»، ألا وهو عدم وجود أية قوانين على الإطلاق. قام نظام الأسد بقتل
الثوار عن عمد حتى يتسنى له تحويل الثورة إلى صراع طائفي بين الأقلية العلوية
الحاكمة، بقيادة عشيرة الأسد، والأغلبية المسلمة السنية في البلاد. ولهذا، فقد
يكون البديل لديكتاتورية الأسد هو تفكيك سوريا، حيث سيتراجع العلويون إلى معاقلهم
الساحلية بينما ستشتعل حرب أهلية طاحنة في البلاد.
هناك أمران
ربما يجنبوننا حدوث مثل هذا السيناريو في سوريا، أولهما هو النموذج العراقي، حيث
ذهبت الولايات المتحدة إلى هناك وأطاحت بنظام صدام حسين واحتلت البلاد وغيرتها
بالقوة من ديكتاتورية تحكمها الأقلية السنية إلى ديمقراطية يحكمها الأغلبية
الشيعية.
وبسبب عجز
الولايات المتحدة وطبيعة العراق على حد سواء، أدى هذا التدخل الأميركي إلى إشعال
حرب أهلية شارك فيها كافة الأطراف في العراق - السنة والشيعة والأكراد - وهو ما
كان بمثابة اختبار توازن جديد للقوى هناك والذي ألحق خسائر هائلة بكافة الأطراف
وأدى إلى حدوث عمليات تطهير عرقي مأساوية والتي قامت بدورها بإعادة ترتيب الدولة
إلى كتل أكثر تجانسا من السنة والشيعة والأكراد.
ولكن وجود
الولايات المتحدة الأميركية في العراق مكنها من احتواء الحرب الأهلية وحملات
التطهير العرقي من الانتشار إلى الدول المجاورة.
وبمجرد أن
خبت نيران الحرب الأهلية وخارت قوى جميع الأطراف وزادت الانقسامات داخل كل فصيل،
نجحت الولايات المتحدة الأميركية في التوسط لعمل دستور جديد واتفاقية لتقاسم
السلطة في العراق، وهي الاتفاقية التي تمنح الأغلبية الشيعية الحكم وتخرج الأقلية
السنية من الحكم ولكنها لم تتركها عاجزة من دون أي سلطة وتؤمن للأكراد حكما شبه
ذاتي. كانت تكلفة هذه العملية الانتقالية هائلة في الأرواح والأموال، وحتى الآن لم
تصبح العراق ديمقراطية مستقرة أو صحية بعد، ولكن لا يزال أمامها فرصة للوصول إلى
ذلك، والأمر الآن يعود للعراقيين أنفسهم.
وحيث إنه
من المستبعد تماما أن تجرؤ «قابلة» مسلحة وموثوق بها ويخشاها كافة الأطراف على
الدخول وسط معمعة الحرب الطاحنة الدائرة في سوريا، سيكون على الثوار السوريين
القيام بهذا الأمر بأنفسهم. وبالنظر إلى المجتمع السوري الممزق، فلن يكون هذا
الأمر سهلا على الإطلاق، إلا إذا حدثت مفاجأة ما.
ربما تتمثل
هذه المفاجأة في توحد مجموعات المعارضة السورية المختلفة في جبهة سياسية موحدة،
بمساعدة ضباط الاستخبارات الأميركية والتركية والسعودية الموجودين على الأرض هناك.
يجب أن تمتد هذه الجبهة الجديدة لتشمل العلويين والمسيحيين المعتدلين الذين أيدوا
الأسد بدافع الخوف وأن يتفق كافة الأطراف على بناء نظام جديد سويا لحماية حقوق
الأقلية والأغلبية في البلاد على حد سواء.
سوف يكون
من الرائع أن يتم استبدال المحور الاستبدادي المتمثل في الأسد وروسيا وإيران وحزب
الله بسوريا ديمقراطية وليس بسوريا تسودها الفوضى.
ولكن
ينتابني بعض الشك حيال هذا الأمر، حيث ستشعر الأقلية العلوية والمسيحية التي دعمت
الأسد، والتي تمثل 20 في المائة من السكان في سوريا، بالذعر من حكم الأغلبية
السنية، وبداخلها جماعة الإخوان المسلمين، والتي عانت كثيرا من وحشية النظام
السابق وسيكون من الصعب بالنسبة لها التسامح في هذه الأمر، ولا سيما مع استمرار
إراقة الدماء في كل يوم. ومن دون «قابلة» أجنبية أو وجود شخص مثل نيلسون مانديلا
في سوريا، فربما تستمر نيران الصراع لفترة طويلة من الوقت. أتمنى أن تحدث مفاجأة
هناك.(الشرق الأوسط)
0 التعليقات :
إرسال تعليق