عمّان - لم يسلم الأردن من تداعيات ثورات الشعوب
العربية، وإن كان احتجاجاته «بسيطة» مقارنة بمليونيات تونس ومصر، أو بأسلحة ليبيا
وسوريا، فقد شهدت المملكة خلال الفترة الماضية تصعيداً في مطالب الحركات السياسية
من جهة، وحراك الشارع من جهة ثانية، فبالإضافة إلى الحديث عن ضرورة تقليص صلاحيات
الملك عبد الله الثاني، تعالت بعض الأصوات المطالبة بالإطاحة بالنظام الملكي كلياً.
وكما في دول «الربيع العربي»، فإن لجماعات الإسلام السياسي في الأردن،
وخصوصاً «الإخوان المسلمين»، حضور بارز، يتبدّى غالباً بميلها نحو المساومة مع النظام.
أما إصرار «الإخوان» على مقاطعة الانتخابات التشريعية، ودعوتها منذ عدة
أشهر إلى تظاهرات أسبوعية تطالب بالإصلاحات السياسية، فلا يرى فيه البعض سوى
محاولة لدفع النظام نحو طاولة التفاوض من جديد، لتنتهي بمشاركة الجماعة في
الانتخابات، وذلك بغرض الحصول على تمثيل سياسي بارز، قد يخولها مستقبلاً السيطرة
على النظام.
وفي المقابل، فإن ثمة مطالبات بالإطاحة في النظام من قبل قوى أخرى قيل أنها
«اخترقت الخطوط الحمراء»، وقد برزت خلال الشهر الماضي، في احتجاجات حي الطفايلة في
عمان، وهو أكبر أحياء المدينة، حين أصدر الناشطون في «حراك أحرار حي الطفايلة»،
بياناً لاذعاً بعد اعتقال عدد منهم، حذروا فيه «القابعين في القصور» من أن «ما
يدور حولنا من أحداث الربيع العربي ليس عنكم ببعيد».
ووصف الناشطون الملك بـ«المتنكر بزي الديموقراطية، والحرية»، مخاطبينه
بالقول «أنت تخفي في داخلك الفاشستية المطلقة، والتحكم بمصائر البلاد وأرزاق
العباد».
وبالرغم من اعتراف قوى الإسلام السياسي الأردنية بوجود هذه الأصوات
المتصاعدة، ولو «بشكل محدود»، إلا أنها تؤكد، بحسب ما قاله نائب المراقب العام لـ«الإخوان
المسلمين» زكي بني أرشيد لـ«السفير» إنها «لم ولن تتبناها».
ويرى بعض الناشطين أن إستراتيجية الملك في احتواء الاحتجاجات والمطالبة
بالإصلاح تنطوي على إلقاء اللوم على الحكومة والبرلمان، فحين تشتد الاحتجاجات ضد
الحكومة يفرض هو بعض الإجراءات الإصلاحية، فتظهر حكومته بالصورة السيئة، ويكون هو
قد «تفهم مطالب شعبه»، وخير مثال على ذلك تجميد قرار ارتفاع أسعار المحروقات
الصادر عن الحكومة، الأمر الذي تلفت إليه ورقة صادرة عن معهد «كارنيغي» للدراسات
الشهر الماضي.
وتشير الورقة إلى أن «المملكة جعلت عدداً من مؤسساتها كبش فداء كهدف للسخط
العام، ومن بينهما أساساً البرلمان ورئيس الحكومة. ولكن المملكة تحديداً
والاستخبارات والأمن المركزي بقوا خارج اللوم».
ولكن يبدو أن السلطة فشلت حتى الآن في وضع إصلاحات سياسية حقيقية، أو
التعلم مما يدور حولها في المنطقة، بل أنها لجأت أكثر من قبل إلى طلب المساعدات
المالية من «صندوق النقد الدولي»، ومن مموليها الأميركيين والخليجيين وخصوصاً
السعوديين.
ويدور الحديث اليوم عن احتمال لجوء الملك مجدداً إلى رفع الأسعار، في مقابل
تهدئة الشارع عبر الإفراج عن المعتقلين السياسيين على سبيل المثال، بحسب ما قال
الكاتب الأردني محمد فرج في حديث إلى «السفير».
ويشرح فرج أن تراجع النظام في الفترة الماضية عن قرارات رفع الأسعار جاء
بعد رد الفعل القوي الذي قام به سائقو سيارات الأجرة، ولكنه «مصمم اليوم على جولة
ثانية»، ولذلك سيلجأ كعادته، إلى تقديم تنازلات معينةً في مقابل تمرير خطة رفع
الأسعار.
ومن آخر إبداعات القمع الأردني، قرار تعديل قانون المطبوعات والنشر، الذي
يحد خصوصاً من حرية الصحافة الإلكترونية، حيث أصبحت مؤسسات الصحافة الإلكترونية
مجبرة على دفع مبلغ يوازي 1400 دولار للتسجيل لدى الحكومة، فضلاً عن تحميلها
مسؤولية التعليقات على صفحاتها، وإجبارها الحفاظ عليها ستة أشهر لكي يتاح للاستخبارات
ملاحقة المعلقين.
ويقول فرج إن هذا التدبير «شبيه بكافة القوانين الأردنية التي تنطوي عليها
صفة الرمادية»، فهو «قادر على محاكمة أي مادة صحافية».
وبالعودة إلى دور «الإخوان المسلمين» تحديداً في الحراك الأردني، فإن
الجماعة، بحسب «كارنيغي»، «وبالرغم من أنها قادرة على إرسال الآلاف إلى الشوارع،
إذا شعرت بأن التطاول على الملكية يهدد وجودها، فمن المرجح أن تبقى على الحياد»،
الأمر الذي يوافق عليه فرج، لا بل يزيد أن الحركات الإسلامية المتمثلة تحديداً بـ«جبهة
العمل الإسلامي» (الذراع السياسي لـ«الإخوان»)، «تبنت النزول إلى الشارع بدافع كسب
أوراق تفاوضية مع السلطة خصوصاً في ما يتعلق بقانون الانتخابات».
وبالتالي فإن «حال الجماعة في
الأردن هو حالها في مصر وتونس»، فهي على الصعيد السياسي ليست مناهضة «للمشروع
الأميركي الصهيوني في المنطقة»، كما أنها «لا تملك البديل عن الوضع الاقتصادي
الراهن، وهي ستستمر مثلاً في اعتمادها على صندوق النقد الدولي وعلى رفع الأسعار».
لكن بني أرشيد ينفي هذا الاتهام، مشدداً على موقف حركته من مقاطعة
الانتخابات التشريعية، باعتبار أن المطالب التي ترفعها الجماعة «إصلاحية، وتتفق
عليها القوى الوطنية الأردنية، وهي الطريق إلى التحول الديموقراطي حيث يكون الشعب
هو مصدر السلطات».
من هنا، يدور الحديث عن موقف «الإخوان» من النظام الملكي، ويأتي الجواب
رمادياً، إذ يقول بن أرشيد إن «السلطة المطلقة تشكل اختلالاً في مسار التطور
الديموقراطي في الأردن، وبالتالي لا بد من تعديل القواعد السياسية قبل الدخول في
الانتخابات».
ولكن يبدو أن الحركة الإسلامية لا تستطيع التصعيد أكثر، وتكتفي بالمطالبة
بإصلاحات سياسية، حيث يقول بني أرشيد «نحن نتحدث عن حالة متوسطة بين الملكية
المطلقة والملكية الدستورية»، بحيث يحصل البرلمان على المزيد من الصلاحيات، ولا
يكون مجرد أداة بيد الأجهزة الأمنية.
وحول تطور هذه العلاقة بين الإسلاميين والنظام، يشرح فرج أن هناك
سيناريوهين، الأول هو «الفوضى بين النظام والإسلاميين»، والثاني هو «تسوية بين
الجانبين برعاية أميركية، فثمة قنوات أميركية مفتوحة مع الحركة الإسلامية والنظام
على حد سواء».
أما بني أرشيد، فيبقى في دور المدافع عن الإصلاحات السياسية التي تطالب بها
حركته، ويذهب أبعد من ذلك، ليقول إنه بالرغم من رفض الحركة تماماً أي مطالب بتغيير
النظام، إلا أنه «لا أحد يستطيع التحكم بالشعب»، خصوصاً في ظل ما يحصل على الصعيد
الأردني الداخلي، وعلى الصعيد الإقليمي وفي سوريا تحديداً.
وبالطبع فإن سوريا تشكل جزءاً أساسياً من المعضلة، إذ يرى بني أرشيد أن «النظام
وظف ما يجري في سوريا لتخويف الناس من المشكلة الأمنية، وبالتالي تتردد جهات من
الشعب تسمى الصامتة في التحرك، ولكن إذا تغير النظام في سوريا، فإن الوضع سيتغيّر،
والخيارات تبقى مفتوحة أمام الشعب».
ويوافق فرج على أن ثمة توظيفاً للأزمة السورية في الشأن الأردني، ولكنه
يتهم الإسلاميين بالمطالبة «بدور سياسي أكبر في السلطة... بانتظار ما ستؤول إليه
الأمور من تحولات وتغيرات على الصعيد الإقليمي وفي سوريا تحديداً، ليتحركوا على
صعيد واسع، بما يتيح لهم السيطرة على السلطة»، ربما بمساعدة أميركية.
هذا الأمر قاربته صحيفة «غارديان» البريطانية في عددها الصادر في 30 أيلول
الماضي، إذ أشارت إلى أنه في حال وافق النظام على إصلاحات دستورية وسياسية حقيقية،
فقد يواجه سيطرة الحركة الإسلامية «التي قد تعمل بعد حصولها على القوة اللازمة على
تحدي سلطة الملك، عبر إدخال تعديلات جديدة على الدستور».
فضلاً عن ضرورة الالتفات إلى أن السعودية، وهي الممول الأساسي للأردن، «تعارض
بالطبع أي تحول ديموقراطي في الشرق الأوسط».
وبالنسبة إلى الدول الغربية التي تواجه اليوم الفوضى في سوريا، فليس من مصلحتها
أي تغيير في الأردن قد يدخلها في حالة فوضى، كما أن من شأن ذلك أن يهدد أمن
إسرائيل واتفاقية السلام.
وكما في كافة الدول العربية، فإن الأسف لا يكون إلا على «الحركات اليسارية
والعلمانية» التي لم تستطع حتى الآن تكوين صف واحد يسمح لها بالقيام بدور أساسي.
وفي هذا الإطار، يلفت فرج إلى «شعور عام في الأردن حول صفقة بين الحركة
الإسلامية والنظام من أجل المشاركة في الانتخابات»، وبالتالي فقد بدأت «الأحزاب
اليسارية التقليدية بالحديث عن المشاركة، لأنها منذ زمن وضعت نفسها في موقف الطرف
التابع للحركة الإسلامية».
لكن الأمل يبقى في الحركات العمالية، التي قادت أكبر اعتصامات شهدتها
البلاد، وبدأت في تنظيم نفسها في إطار نقابات مستقلة عن الاتحادات المرتبطة
بالسلطة.
أما «كارنيغي»، فيعطي للحراك العلماني دوراً مهماً، حين يشير إلى أن صعوده
غير كلياً الجدال حول الإصلاحات، ما سمح للقادة الإسلاميين بمناقشة موضوع تقليص
صلاحيات الملك، ولكن يبقى على هذه «المعارضة العلمانية» التي تصاعدت الشهر الماضي
الحصول على الدعم الشعبي الضروري «لتحدي الملك».(السفير اللبنانية)
0 التعليقات :
إرسال تعليق