حوار: حسن سلمان
قال الباحث
التونسي العربي بن ثاير إن فشل الإسلاميين في العالم العربي بإقناع الناس بمشروعهم
المتطرف وتعاملهم مع الدولة كغنيمة حرب وعدم كفاءتهم في إدارة الشأن الاقتصادي
تدفع غالبية من انتخبهم بالأمس إلى المطالبة اليوم بإسقاطهم.
وأضاف في حوار
خاص مع صحيفة "العرب" اللندنية "إن ما يهدد مشروع حركة النهضة في
تونس وحزب العدالة والتنمية في مصر هو البقاء معلقا بين الشعب الذي تغلب عليه
علمانية/ مدنية ذات طابع خاص (العلمانية الشعبية الواسعة والنخبوية غير المدجنة
إسلامويا) وبين الطرف الإسلاموي 'الملتزم".
وأدت التظاهرات
الشعبية المستمرة منذ عامين في العالم العربي إلى سقوط عدد من الأنظمة وصعود بعض
الحركات الإسلامية إلى السلطة بفعل انتخابات يصفها البعض
بـ"الديمقراطية".
لكن الحكام
الجدد المدعومين من الغرب لم يمتلكوا مشروعا سياسيا أو اقتصاديا واضحا، وبدل أن
يقدموا حلولا ناجعة للواقع المتردي لجأوا إلى وسائل الأنظمة الديكتاتورية السابقة
(صياغة أو تعديل الدستور على مقاسهم وخلق ميليشيات خاصة بهم) أملا بالبقاء في
السلطة لأطول مدة ممكنة مما أدى لقيام تظاهرات شعبية تطالب بإسقاطهم.
ويقول بن ثاير
إن الإسلاميين العرب (في تونس ومصر خاصة) يخشون من أن تسرق بريقهم بعض الأحزاب
والحركات العلمانية التي ترفض ادعاءهم صفة "الضحية" الوحيدة للأنظمة
الديكتاتورية (سجن ونفي وقتل...) وربما تستغل اليوم أخطاءهم في الحكم؛ ما يجعلهم
يسعون إلى التضخيم من ذاتهم لإيقاع الرهبة في تلك الأطراف مرة أو التملص من تلك
الاخطاء على حساب أطراف أخرى اكثر تطرفا (حادثة السفارة الاميركية في تونس مثلا)
لتبرير تلك الأخطاء مرة أخرى.
ويرى البعض أن
فشل الإسلاميين في الحكم وإفلاسهم على جميع المستويات يوفر تربة خصبة لعودة
الليبراليين للواجهة وصعودهم مستغلين الاحتقان الشعبي الحالي ضد الإسلاميين (تشكيل
جبهة الإنقاذ بمصر ونداء تونس على سبيل المثال).
ويقول بن ثاير
"لا أوافق كثيرا على مصطلح 'عودة الليبراليين'؛ لأننا لم نشهد عهدا ليبراليا
فعليا قبل الثورات العربية، وحتى إذا قبلنا بذلك جزئيا، أي وجود بعض مظاهر غير
متجذرة من الحداثة والمدنية في الحياة العامة، فإن "عودة" الليبراليين
ليست أمرا مؤكدا؛ لأن الليبراليين في الشرق مازالوا يختلفون كثيرا عن الليبراليين
في الغرب؛ فهم في نظري مخترقون من التيار المحافظ
الناعم غالبا، إلى درجة الارتباك والضبابية واتخاذ الموقف ونقيضه في فترات
متقاربة، فضلا عن البراغماتية السياسوية اللاّ- مبدئية".
ويوضح "إن
الدستوريين (الحزب الاشتراكي الدستوري الاسبق) في تونس الذين يمكن اعتبارهم جزءا
مما يسمى الليبراليين هم في الحقيقة قوة مترددة ومتوترة بين الوسطيّة التحرّرية من
جهة والبراغماتية والمحافظة الانتهازية من جهة أخرى؛ وقد كانت مواقفهم من الإسلامويين
متباينة على الدوام، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن الدستوريين هم من أعطى أسباب
الوجود موضوعيا للاتجاه الإسلامي (النهضة حاليا) بسياساتهم وتوجهاتهم، كما مدتهم
أجنحة من الدستوريين المتنفذين سياسيا وماديا ببعض التسهيلات في نهاية الستينات
وبداية السبعينات وعاشوا شيئا من الانسجام مع السلطة في بعض فترات حكم محمد مزالي
في الثمانينات".
ويبدو أن رحيل
الأنظمة الديكتاتورية وتخبط الإسلاميين، دفع البعض لاستشراف الحل في التجارب
السابقة كالناصرية بمصر والبورقيبية في تونس، فيما يرى البعض الآخر أن هذه التجارب
استُنْفِدت بالكامل ولم تعد صالحة للمرحلة الحالية.
ويقول بن ثاير
"إن تصاعد الأصوات المنادية بالعودة إلى التجارب السابقة يشكل استجابة
إيديولوجية جاهزة وناتجة عن منطلقات فكرية محدودة الإبداع في الرد على أفق إسلامي
مسدود سطا على الثورة الشعبية".
ويلاحظ المتابع
للوضع التونسي بشكل خاص تزايد عدد الأحزاب السياسية التي تطالب بعودة الفكر
البورقيبي (نسبة للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة)، ويدعي هؤلاء حرصهم على الطابع
العلماني للبلاد في مواجهة النزعة المتشددة التي يروج لها بعض الإسلاميين.
ويؤكد بن ثاير
أن "الدولة التونسية انتهت مع بورقيبة إلى دولة الزعامة البطريركية والفقر،
ومع خلفه المخلوع إلى دولة استبداد الفرد وسطوة العصابة والنهب الخالص، فضلا عن
التبعية للخارج في الفترتين كلتيهما".
ويضيف "لهذا أرى من العبث إحياء
البورقيبية، لأنها أخلّت بمبدأيْ الحرية والكرامة، ولأنها لم تُعِرْ المواطنة حقها
كما يعرف القاصي والداني. وهي في هذا الجانب مثلها مثل غيرها من تجارب الأداء
السياسي التي طبقت في النصف الأول والثاني من القرن العشرين في البلاد العربية
وغيرها من بلدان ما يسمى بالعالم الثالث الدكتاتورية أو الفردية أو الاستبدادية،
عسكرية كانت أم رئاسوية أم ملكية".
لكن الباحث
التونسي يؤكد بالمقابل أن الفكر الإخواني "تجاوزه التاريخ وهو يظهر في أيامنا
في شكل مهزلة ومأساة معا، ومهما كثر عدد أنصاره حاليا فهم إلى سائرون الى الانحسار
لأن الشعب اختبرهم وأدرك عجزهم الواضح عن تغيير الواقع وعرف أنهم عنصر غير متصالح
مع المجتمع وتأكد من عدم ملاءمتهم للعصر، ولكن أصحاب الفكر الاخواني الذين
بُعِثُوا من مراقدهم بفعل فواعل محلية وإقليمية ودولية لا يريدون هضم هذه الحقيقة؛
مما قد يؤدي إلى صدام يؤجله الفاعلون بمن فيهم النهضاويون (حركة النهضة) رغم عودة
آلة القمع لوزارة الداخلية إلى العنف من جديد مدعومة بالميليشات التجمعية-
النهضوية في تونس والميليشيات الإخوانية السلفية في مصر".
لكن
ما هو البديل؟
يجيب بن ثاير
"البديل هو تأسيس جبهة مدنية من أجل الدفاع عن الجمهورية وقيم الديمقراطية
والحداثة، ويجب أن تكون ذات بُعدٍ اجتماعي حتى تتمّ حمايتها لا بالنخب فقط كما كان سابقا بل بعامة الشعب؛ ليكتبَ لها
التجذّر والدوام؛ حيث يتأكد اليوم أننا ما زلنا أمة تعيش على وقع ما دار بين
الحسين بن علي ويزيد بن معاوية، وأننا أمة ينطبق عليها القول القائل 'إن الموتى
يحكمون الأحياء".
ويؤكد أن تأسيس
هذه الجبهة في كل بلدان الحراك الاجتماعي والسياسي العربي لم يعد ترفا خاصا
بالنخبة المثقفة "إنها اقتضاء وجوديّ بكل معاني الكلمة، والجبهة المدنية التي
نريد يجب تتسع لكل طرف لم ينخرط في الفساد والاستبداد ويقاطع الإسلامويين ومن يدور
في فلكهم من قوى وحركات وجمعيات ويرفض 'التطبيع' معهم دون الانخراط في صراع مادي
عنيف بل في إطار حراك سلمي شامل؛ وهذه مهمة تاريخية أكاد اشبهها بمهمة الاصلاح
الاجتماعي والديني في اوروبا في عصر الانوار".
ويرى مراقبون أن
التحالف القائم بين الإسلاميين الجدد والجماعات الدينية المتطرفة ودعاة الفكر
الظلامي سيساهم في قيام عدد من "الإمارات الطالبانية" في عدد من الدول
العربية.
ويقول بن ثاير
"إن هذه القوى تمثل في الوقت الراهن إشكالية تاريخية خطيرة؛ فهي تجمع بين
السمات التيوقراطية القروسطية من جهة، والنزعة الفاشية المرتبطة باليمين المتطرف
في العصر الحديث من جهة أخرى (لأن الفاشية في أصولها ونشأتها في الغرب نزعة قومية
وليست ذات ميول دينية)".
ويضيف "إن
الخصوصية البائسة في العالم العربي هي الزواج غير الطبيعي بين بقايا ما يشبه
الإقطاع القروسطي كقوة مادية أو كرأسمال رمزي مع أنماط للرأسمالية الدكتاتورية
البشعة والشرسة على الصعيد الداخلي وقد
التقت في تطلعاتها وخططها على الصعيد الدولي مع قوى العولمة المهيمنة التي لا ترى
تناقضا بين تطبيق الديمقراطية في بلدانها ومعاداة الديمقراطية بل رعاية الأنظمة
الدكتاتورية خارجيا ومدها بكل أسباب البقاء والتجدد".
من جانب آخر، يرى
البعض أن الحراك الحالي ساهم إلى حد كبير بالتقريب بين الشعوب العربية (دون نسيان
الدور الذي قامت به بعض مواقع التواصل كفيسبوك)، وربما يؤدي لاحقا إلى ترميم الشرخ
الكبير بين المشرق والمغرب العربي الذي خلقته الأنظمة الآفلة.
ويذهب بعض
المتفائلين إلى أبعد من ذلك، حيث يتوقع قيام تكتلات جديدة (وحدة اقتصادية أو
سياسية) في وقت يدعو فيه البعض (دول المغرب مثلا) للاتحاد في إطار جديد.
ويقول بن ثاير "الشعوب العربية كانت دائما
متقاربة بقوة المخيال ومتلاحمة بعنفوان الحماس وفاعلية الوجدان لكنها إذ هي تصنع
ثورات حاليا، فإنها لم تصنع بعدُ مكانيزمات شعبية لظواهر وحدة واتحاد، فالاتحاد
يحتاج إلى تنظيمات وجمعيات وأحزاب جديدة
أو مجددة الأهداف والوسائل والخطط والبرامج".
ويرى أنه من
العسير تخيل فعاليات ممنهجة وواسعة النطاق لربط الحركات الديمقراطية في المغرب
العربي ناهيك بين المغرب والمشرق.
ويضيف
"الزخم التوحيدي التكاملي الذي شهده المغرب العربي زمن الكفاح ضد الاستعمار
أقوى بكثير مما هو متاح حاليا لأسباب عديدة أهمها فشل النزعات الوحدوية بسبب فشل
التجارب التوحيدية في المشرق والمغرب وضعف تأثير الحركات القومية وطبيعة الثورات الشعبية الحالية الغامضة التي
تتلمس طريقها في مسار ثوري متعرج وعسير، وهي تقطع مع الايديولوجيات والوسائل
والتجارب وربما حتى الاحلام السابقة".(العرب اللندنية)
0 التعليقات :
إرسال تعليق