ادريس لكريني: أزمة مالي قد تتكرر في دول المغرب


حوار: حسن سلمان

يبدو أن التطمينات التي يرسلها الجيش الفرنسي من شمال مالي لم تعد تقنع دول الجوار في ظل استمرار التوتر في المنطقة وتزايد خطر القاعدة والإسلاميين المتشددين على الدول المغاربية بشكل خاص.


وحاولت فرنسا مؤخرا القيام بخطوة رمزية لتطمين العالم بأن الوضع في مالي بدأ بالتحسن، حيث اعلنت رئاسة اركان الجيوش الفرنسية انسحاب أول مئة جندي من اربعة الاف ينتشرون في مالي.

لكن المراقبين يؤكدون أن الخطوة الفرنسية ليس سوى محاولة للخروج من المستنقع المالي وتسليم الأمر سريعا للقوة التابعة لدول غرب إفريقيا التي ما زالت مفككة وعاجزة على التنسيق والتفاهم فيما بينها.

ويحذر الباحث المغربي الدكتور إدريس لكريني من الأخطار الكبيرة المحدقة ببلدان المغرب العربي جراء الأزمة المستمرة في شمال مالي.

 ويضيف في حوار خاص مع صحيفة "العرب" اللندنية "في حال أدى النزاع في مالي لانفصال الشمال عن الدولة، فإن ذلك سيشكل سابقة قد تتكرر في كثير من الدول المجاورة وخاصة الدول المغاربية، على اعتبار أن المنطقة معروفة بتنوعها المجتمعي وغناها الثقافي، وهذا سيقود بدوره لكارثة قد تؤثر على استقرار المنطقة بالكامل".

ويرى لكريني (مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات) أن غياب موقف منسجم ومتوافق بين الدول الإقليمية وخاصة بين الجزائر التي تبنت الخيار الدبلوماسي والمغرب التي حضت على العمل العسكري "خلف فراغا كبيرا فتح الباب أمام قوى دولية مثل فرنسا لتلعب دورا طلائعيا بالمنطقة".

ويؤكد أن التدخل الفرنسي بمالي سيجلب ويلات على دول المنطقة، "خصوصا إذا لم يتم حسم النزاع بشكل فاعل، لأن هذه الجماعات يمكن أن تقوم بعمليات واختطافات داخل البلدان المغاربية أو الساحل، فضلا عن تجارة الأسلحة والمخدرات"، ويدلل على ذلك بحادثة "ان اميناس" التي وقعت مؤخرا في الجزائر.

ويتوقع عدد من المحليين أن تؤثر أزمة مالي بشكل كبير على علاقة دول المغرب بأوروبا في ظل تزايد المخاوف من استغلال الحركات المتشددة للفوضى في بعض الدول المغاربية كليبيا وتونس لتكرار تجربة مالي.

ويؤكد لكريني أن أزمة مالي تتجاوز حدودها الإقليمية، مشيرا إلى أن تعدد جنسيات الجماعات المقاتلة في شمال مالي (ليبيا والجزائر وكندا وغريها) وارتباطها بـ"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" يتطلب تضافر الجهود الدولية لحل هذه المشكلة التي تهدد بتصدير الإرهابيين للمنطقة والعالم.

ويضيف "نحن اليوم في ظل عالم متشابك، وعندما نتحدث عن نزاعات داخل دولة ما (نزاع على السلطة وغيره) فدائما هناك تداعيات خارجية متعلقة بتدفق المجموعات المتشددة واللاجئين، الآن هناك 200 ألف لاجئ مالي في دول الجوار،  وآلاف المتشددين نزحوا أيضا لخارج البلاد، هذه أزمة خارقة موضوعة أمام المجتمع الدولي".

لكن الباحث المغربي يؤكد بالمقابل أن دخول فرنسا على خط الأزمة المالية له عدة مبررات تتجاوز الطابع الأمني.

ويضيف "يجب ألا ننسى أن فرنسا (المستعمِرة السابقة) وأوروبا لهما مصالح كبيرة في إفريقيا، بل هناك تنافس شرس بين القوى الدولية (إسرائيل، الصين، أوروبا، تركيا) على القارة الإفريقية الغنية بالثرورات".

وكانت أسبوعية "لوبوان" الفرنسية أشارت قبل أيام إلى وجود مخاوف حقيقية من تهريب الأسلحة الثقيلة الخاصة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من منطقة القتال في أقصى شمال مالي إلى الدول المجاورة.

ونقلت عن خبير استراتيجي قوله إن ليبيا والنيجر من أكثر الدول المرشحة لاستضافة متشددي مالي، مشيرا إلى الجنوب الليبي غير خاضع بصورة كاملة للسلطة المركزية في طرابلس، ويشكل مرتعا خصبا لرواج تجارة السلاح واستقرار العديد من الجهاديين القادمين من الدول المجاورة فيها.

التواطؤ بين الأحزاب الإسلامية والجماعات المتطرفة

ويحذر المراقبون من استغلال الجماعات الإسلامية المتشددة للفوضى التي خلفها "الربيع العربي" في تشكيل دويلات جديدة على غرار شمال مالي وغيرها.

بل إن بعضهم يذهب أبعد من ذلك حيث يتوقع قيام تحالفات من نوع ما بين الحكومات الإسلامية الجديدة والجماعات المتشددة، مدللا على ذلك بالفوضى الدائرة الآن في تونس ومصر، ومحاولات السلفيين فرض منطقهم "القروسطي" على المجتمع وتقويض عقود من التقاليد العلمانية الراسخة.

 لكن لكريني يميل إلى عدم وضع الحركات الإسلامية في قالب واحد، "فكل حركة لديها أدواتها في الاشتغال ومبادئها وطريقة عملها، ولا يمكن أن نقارن بين حكومات تشتغل من داخل الدساتير وفي إطار المشاركة السياسية العلنية المرتبطة بالانتقال السلمي للسلطة والتعددية داخل المجتمع، وجماعات تتبنى العنف في عملها ولديها أساليب أخرى (غير ديمقراطية) وبالتالي لا تؤمن بهذه القواعد".

ويضيف "لا يمكن أن نقارن بين حزبي 'النهضة' و'العدالة والتنمية' وتنظيم القاعدة أو تنظيمات تسعى لفرض الشريعة بمالي كجماعة 'أنصار الشريعة' مثلا، فالفرق شاسع جدا بينهما".

ويشير إلى أنه حين وقعت أحداث 16 مايو/أيار في 2003 وأحداث مراكش في 2012، كان حزب العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان المحظورة أول من وأدان هذه الأعمال باعتبارها أعمال عنيفة.

ويضيف "لا أعتقد أنه في صالح المرحلة أن يتم إحراج الأحزاب السياسية (الإسلامية) من خلال وصمها بالعمل الإرهابي أو التواطؤ مع الإرهاب والجماعات المتطرفة لأنها اختارت العمل السياسي، ولو أرادات العمل في إطار سري أو مسلح لاختارت ذلك".

القابلية للديمقراطية

وبعد عامين من انطلاق قطار "الربيع العربي"، يواجه الحكام الإسلاميون في عدد من الدول (تونس ومصر بشكل خاص) احتجاجات كبيرة تطالب بإسقاطهم بعد فشلهم في إدارة الملفات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فيما يتهمهم البعض بانتهاج نفس سياسات الأنظمة الآفلة للاحتفاظ بالسلطة.

ويقول لكريني "يجب أن لا ننسى أن الإسلاميين في كثير من الدول العربية وصلوا للحكم لأول مرة (لا يملكون خبرة سياسية) ولديهم الآن تدبير حكومي مرتبك لعدة اعتبارات، منها حجم التحديات والصعوبات التي ورثوها عن سنوات الاستبداد (اجتماعيا، اقتصاديا)، وتفشي الفساد وغياب سلطة القضاء والبطالة وغيرها".

ويؤكد في نفس الوقت أن الإسلاميون لن يتمكنوا من الاستمرار بالحكم للأبد، "الآن ثمة وسائل ديمقراطية وتداول على السلطة، ومن جاء عبر صندوق الاقتراع سيذهب عبره أيضا في حال لم ينجح بالتغيير، لكن علينا أن نمنحه الوقت الكافي الذي يقره الدستور".

ويضيف "التغيير لا يأتي بين عشية وضحاها، وإذا كانت الحكومات المستبدة لم تحقق شيئا خلال عقود فكيف نطالب الحكومات الإسلامية تحقيق تغيير في عدة شهور"؟

من جانب آخر، يتساءل بعض المحللين: هل باتت الشعوب العربية "القابلة للاستعمار" (وفق مالك بن نبي)، قابلة للديمقراطية بعد سنوات من الاستبداد؟ وما هو شكل هذه الديمقراطية العربية الوليدة (تركية، غربية أم نوع آخر)؟

ويجيب لكريني "ما حققته الدول العربية في غضون سنتين مكتسبات كبيرة جدا، وهذه المكتسبات يجمع أن ننظرها إليها من منظور استراتيجي بعيد المدى، الأفضل الذي حققته هذه المرحلة أن المواطن عبّر بشكل علني عن مكنونات قلبه".

ويضيف "لأول مرة في التاريخ، نعرف مختلف الأصوات والاتجاهات في المجتمع العربي (الإسلامي، السلفي، العلماني)، الآن المجتمعات العربية تعرف مكوناتها ومرجعياتها المختلفة وأهدافها، وهذا أمر إيجابي".
ويؤكد أن الارتباكات التي تقع من حين لآخر (اغتيالات، أزمات أمنية واقتصادية) هي "أمر طبيعي ومرتبط بضريبة التحول"، مشيرا إلى أن الثورة الفرنسية لم تقطف ثمارها الديمقراطية بين عشية وضحاها، بل احتاج الأمر لعدة سنوات.

ويضيف "التغيير لا يأتي بشكل مجاني، بل تلزمه تضحيات، ويجب أن لا ننسى أنه في أي مجتمع هناك قوى ضد التغيير الذي يكشف عن هويتها، لذلك نجد هذه القوى تعكّر الأجواء بالاغتيالات، ولكن لا يمكن للمجتمعات العربية أن تعود للخلف، وما يحدث في تونس وليبيا ومصر طبيعي جدا".(ألوان نيوز)

شارك على جوجل بلس

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق