بقلم: فاروق يوسف
مضت عشر سنوات على
سقوط نظام البعث في العراق من غير أن يتوقف الحديث عن أزلام ذلك النظام. أولئك الأزلام
من وجهة نظر متداولي ذلك الحديث وجلهم من الطبقة السياسية الحاكمة لا يشكلون خطرا متوقعا
أو متوهما بل هم عقبة حقيقة تقف في طريق أية محاولة تبذل لبناء وتعمير عراق جديد.
وهو
ما يفسر استمرار مظاهر الخراب والدمار والفساد في كل مفصل من مفاصل الحياة المدنية
كما لو أن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق عام 2003 لما تنتهي بعد.
في تونس هناك من
يشير إلى أعوان بن علي في مواجهة كل حركة احتجاجية مدنية ضد حكم النهضة وفي مصر هناك
الفلول الذين ما زالوا أوفياء لنظام حسني مبارك حتى وإن كانوا من معارضي ذلك النظام
وفي ليبيا ثمة من لا يزال يُحسب على القذافي كونه يشكل مصدر تهديد للنظام الجديد، حتى
وإن كان الزعيم الليبي قد ذهب الى القبر. وفي اليمن فان الرئيس الحالي نفسه هو من بقايا
النظام الذي ذهب رئيسه إلى البيت.
مقارنةً بالعراق
فان اي حديث عن مناصري وموالي النظام السابق في بلدان الربيع العربي الاربعة حتى وإن
اتخذ هيأة المبالغة أو التلفيق أو الافتراء يعتبر حديثا فيه القدر الكبير من الطزاجة.
فعشر سنوات كانت كافية لبناء بلد جديد مترف ومرفه، تسود فيه روح العدالة ويسمو فيه
مبدأ المواطنة. غير أن شيئا من ذلك لم يحدث، بذريعة وجود أزلام نظام صدام حسين.
ما يخشاه المرء أن
تنتقل عدوى العراق إلى البلدان العربية الأخرى، بحيث تصبح مخلفات الأنظمة السياسية
السابقة ذريعة للتراجع عن المطالب الديمقراطية والتقهقر إلى الوراء وانتشار كل مظاهر
الفساد ومصادرة الحريا ت وشرعنة العنف وبث روح الفرقة في المجتمعات وتجيير معاناة الشعب
لحساب نظام استبدادي جديد. ولهذه الخشية ما يبررها على أرض الواقع.
لقد مارست حكومة
النهضة في تونس باسم القانون ما لم يجرؤ نظام بن علي في نهاياته على ممارسته. وفي مصر
صار الرئيس الاخواني محمد مرسي يستعين بجماهير جماعته للتصدي للقوى المدنية اما في
ليبيا فان ترك الشوارع والساحات والمباني العامة نهبا للمسلحين انما يمهد لقيام سلطة
جماهيرية شبيهة بتلك السلطة التي أنشاها العقيد الراحل وفي اليمن تقتل الطائرات أناسا،
تقول البيانات الرسمية أن الحكومة تعتقد أنهم من أتباع القاعدة، من غير أن يكون لديها
ما يؤكد ذلك الاعتقاد.
في مواجهة فوضى من
هذا النوع إلا يمكن أن يكون النموذج العراقي ممكن التكرار في بلدان الربيع الاربعة؟
هناك سمة مشتركة
بين التجارب الأربع هي ما تنفتح بها على النموذج العراقي، ألا وهي أزمة الحكم التي
صارت مستعصية على الحل في ظل غياب أية رغبة في الحوار الجاد. فبالرغم من أن الحكومات
في تلك البلدان قد وصلت إلى السلطة عن طريق عملية انتخابية تميزت بشفافيتها وشهد لها
العالم بالنزاهة، فانها (أي الحكومات) لم ترتق إلى المستوى الذي يؤهلها إلى أن تكون
راعية لمصالح وحريات وحقوق الجميع، بغض النظر عن معتقداتهم السياسية والدينية والمذهبية.
لقد ظلت تلك الحكومات تدين بالولاء إلى الجماعات السياسية أو الدينية التي ينتمي إليها
أعضاؤها. بالنسبة لتلك الحكومات صارت السلطة بمثابة غنيمة، ربحها الفائز وخسرها منافسوه.
وهذا بالضبط ما حدث
ولا يزال يحدث في العراق. لقد حل حزب الدعوة الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي
محل حزب البعث ولسان حاله يقول "الآن جاء دورنا في التمتع بمنافع السلطة"
ومن الطبيعي أن تكون حكومة بمثل هذه الأفكار الانتقامية المأخوذة بالطمع عاجزة عن القيام
بواجباتها التي هي في الاصل لا تؤمن بها.
ما لم تحل الحكومات
في بلدان الربيع العربي أزمتها في الحكم على أسس ديمقراطية، فان على شعوب تلك البلدان
أن تتأهب للدخول إلى المتاهة العراقية التي كانت مخلفات النظام السابق ولا تزال كذبتها
التي حلت محل الحقيقة.(العرب اللندنية)
0 التعليقات :
إرسال تعليق