بغداد - ودع الحياة الفنان العراقي طالب القره غولي، في مدينته الناصرية مركز محافظة ذي قار في جنوب العراق بعد عمر أمتد على أوتار الكمانات والنايات الحزينة.
وتوفي الفنان القره غولي الخميس عن عمر يناهز الثانية
والسبعين بعد سنوات من المرض وتغرب عاشه منذ عام 2003 ما بين دمشق ودبي وستوكهولم خضع
فيها للعلاج وبترت قدمه.
ويوصف الملحن العراقي الراحل بانه أفضل من صاغ قلائد
الغناء العراقي منذ عقد السبعينات مع أبناء جيله محمد جواد أموري وفاروق هلال ومحسن
فرحان وكوكب حمزة.
وسبق وان وصف الناقد الموسيقي الراحل عادل الهاشمي
القره غولي بأنه قيمة فنية لا تضاهى، وقال "إذا أردنا استحضار الغناء العراقي
من جديد علينا ان نستدعي طالب القره غولي، وان نؤهله أساسا لان يكون في موقعه الذي
يستحق حتى يعيد لنا أمجاد الأغنية السبعينية".
وبرع الفنان الراحل في ألحان الأناشيد الوطنية التي
بقيت في ذاكرة العراقيين منذ أنشودة "ماهو منك ياشعبنا" التي كتبها الشاعر
الراحل زامل سعيد فتاح منتصف السبعينات من القرن الماضي، وحتى "أحنا مشينا للحرب"
للشاعر الراحل كاظم الركابي، التي كانت بمثابة درس لحني ووطني أجتمع العراقيون فيه
أبان الحرب مع إيران.
وتجسد براعة القره غولي اللحنية في الأناشيد الوطنية
بأصوات عربية مميزة كما في اغنية "يابو الهمة" لوديع الصافي التي كشفت مكامن
جديدة في صوته الجبلي، وكذلك وردة الجزائرية وسعاد محمد وسميرة سعيد وسوزان عطية.
وأرخ الفنان الراحل في حشد من الأغاني لأصوات ياس
خضر وفؤاد سالم ومائدة نزهت وسعدون جابر وفاضل عواد وحسين نعمة وقحطان العطار وحميد
منصور ورضا الخياط وستار جبار.
ويتذكر العراقيون والعرب أغنيتي "إعزاز"
و"البنفسج" بصوت ياس خضر، وأغنية "حاسبينك" لصوت فاضل عواد و"حسبالي"
لسعدون جابر، وبعدها جسد معه أروع دروس الموسيقى المعاصرة عندما لحن قصيدة السياب
"صبر أيوب" وأثارت جدلا لم يسبق في الغناء العراقي، وبعدها قصيدة الشاعر
عبد الرزاق عبد الواحد "صبر العراق صبورا أنت ياجمل".
وكان الفنان الراحل الذي عاد إلى بلاده العام الماضي
بعد سنوات من الاغتراب منذ احتلالها عام 2003، قد أكمل لحنا للفنان حسين نعمة بعنوان
"نفس الشعور ونفس الإحساس" لم يمهله الموت كي يسجله.
ومازالت ألحانه التي أنجزها على مدار عقود السبعينات
والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي يعاد غناءها بأصوات المطربين الشباب.
وأعاد أكثر من فنان عراقي أداء أغنية "كذاب"
مثل مائدة نزهت وياس خضر وقحطان العطار، فيما شكل الفنان الراحل ثنائيا لحنيا مع صوت
ياس خضر عبر أغاني "روحي" "البنفسج" "حن وأنا أحن" التي
كتب كلماتها الشاعر مظفر النواب.
ولحن لصوت سعدون جابر من بين أهم ما قدمه على امتداد
تجربته الفنية من بينها "سايب ياقلبي" التي غناها في بداياته الفنية، لكنهما
جسدا في امتياز لحني وأدائي أبان سنوات التسعينات وطوق الحصار الأعمى على العراق قصيدة
"صبر أيوب" لبدر شاكر السياب، وبقي اللحن يدق في المسامع مثل أوجاع العراق
التي لا تتوقف.
وجمعت العاصمة السورية دمشق طالب القره غولي وسعدون
جابر والشاعر عبدالرزاق عبدالواحد فيما كانت الدبابات الأميركية والميلشيات الطائفية
تهدر كرامة بلادهما المستباحة، حيث أديا قصيدة "صبر العراق صبورا أنت ياجمل".
واقتصرت ألحان طالب القره غولي لصوت حسين نعمة في
عدد كبير من الاناشيد الوطنية كتب بعضها الشاعر زهير الدجيلي مثل "العزيز أنت"
و"نحبك"، و"بين الشعب وبينك" إضافة إلى الحان عاطفية قليلة مثل
"راجعين".
ومازال الجيل المعاصر يعيد لحن القره غولي لصوت حميد
منصور "يم داركم" التي غنيت منتصف الثمانينات، لكن القره غولي صاغ بحس تعبيري
مدهش قصيدة الشاعر الراحل فايق عبد الجليل "وهم" لصوت حميد منصور، فيما فشل
الفنان السعودي محمد عبده في تلحين نفس كلمات القصيدة وغناها بأداء بارد مرت عابرة
على الجمهور.
ولم يلحن الفنان طالب القره غولي لكاظم الساهر الذي
أقتصر غناءه على ما يلحنه هو ولم يمنح الملحنين حق التعامل مع صوته، لكن القره غولي
سبق وان وصف الساهر بالفنان الحقيقي، معبرا عن اعتزازه بصوته.
وقال "اثبت وجوده في زمن الغناء العراقي الرديء،
انه كوَّن نفسه بشكل صحيح وقدمها بقوة، وفرض شخصيته الغنائية على جمهور المستمعين".
وأكدت بقوله "عندما يغني كاظم الساهر القصيدة
العربية ينصت له الجميع وتكاد تسمع صوت رنين الأبرة لو سقطت على الارض".(ميدل
إيست أونلاين)
0 التعليقات :
إرسال تعليق