بقلم: عادل رضا
تتسارع الأحداث العالمية في لعبة الأمم وصراعات النفوذ
التي تجري على الملعب السوري! ولا زال الدم هو الوقود والأبرياء هم الضحية وصراعات
المشاريع ومعركة الطحن جارية على قدم وساق، فماذا هناك؟
حدث مشهد لمفاجأة سريعة في ظل حرارة الإحداث بموافقة
على "رقابة"! للسلاح الكيماوي السوري وهو أيضا اعتراف مفاجئ لما كان لا يتم
التصريح عنه بما يطلق عليه "السلاح النووي للفقراء" وهو القوة الرادعة المخفية
للدولة العربية في سوريا في صراعها مع الصهاينة والاستكبار العالمي من خلفهم.
لعب الروس حسب قدراتهم وضمن مصالحهم القومية على
أتمام الصفقة قبل اللقاء الإعلامي مما يفسر سرعة القبول السوري على المبادرة الروسية،
وهم، أي السوريون، معروفون بالتأني والروية والبرود إلى حد التجمد.
هناك قراءتان متناقضتان متضادتان لما تتم الإشارة
إليه حاليا على أنه خروج أمن لأميركا و"الشذوذ" الفرنسي التابع لهم في ظل
تراجع وهروب ذكي للبريطانيين بتسليم الرفض للبرلمان! وهو هروب مضحك بامتياز فمنذ متى
كانت تشن الحروب المصلحية الاستكبارية بموافقة البرلمانات؟
والتي هي بالأساس انعكاس لقوى رأس المال والإعلام
الموجه وهي برلمانات تعبر عن مصالح من يحكم العالم لذلك قراراتها مرتبطة وليست حرة،
ومن هذا الباب نقول أنه هروب بريطاني وليس قرار برلمان.
تم تعليل الاتفاق الروسي السوري على أنه "رقابة"
مسيطر عليها؟ وعلى أنه مشروط بذهاب دولي لمؤتمر جنيف الذي يتكلم عنه الجميع ويسعى إليه
الحلف السوري الروسي الصيني الإيراني ولا يشاهده أحد! والموعد مفقود وعليه السلام إلى
كتابة هذه السطور.
في تعليل الموافقة على الصفقة تمت الإشارة الإعلامية
على أن هذا السلاح بالأساس ليس موجود بكميات ضخمة وعلى أنه تم استهلاك مدته للعمل منذ
زمن بعيد، وأيضا لا يعرف أي أحد أين هو؟ ولا كميته الحقيقية؟
وهذا كله ضمن أسرار الدولة السورية لذلك يسهل التنصل
على ارض الواقع من هكذا أتفاق، ناهيك، على إن الصفقة تنص على "رقابة" وليست
"نزعا"!؟
وقيل أيضا ضمن تبريرات الصفقة من أنه نجاح دبلوماسي
روسي ضمن لعبة سياسية متقنة وملعوبة بحرفية شديدة لإنزال أوباما من الشجرة التي صعد
إليها، وهو طوق نجاة لإخراجه من ورطته بعد أن وجد نفسه وحيدا حتى من الحليف التقليدي
بريطانيا ولم يجد ألا شذوذا فرنسيا يتبعه ويصعد معه إلى الشجرة!
وعلى أن هذا الإنزال من على الشجرة طلبه الأميركان
من تحت الطاولة بعد أن وصلت لهم الرسائل القوية من أن الرد على أي عدوان سيكون شاملا
لأنها معركة "وجود" وليس لدى السوريين ما يخسرونه والأميركان والصهاينة هم
من لا يتحملون أي ضريبة للدم وأي خسارة مالية، أما السوريون فهم مستعدون وهم قادرون
ومن خلفهم حلفاء دوليين ومساندة شعبية دولية وقاعدة اجتماعية سورية مخلصة.
وقيل كذلك أنه أتفاق ممكن التراجع عنه في وقت لاحق
وهو أتفاق مطلوب لكسب الوقت للحسم العسكري وهو اتفاق يمكن الاستفادة منه لخلق حالة
من التمطيط والإطالة وفتح نقاشات واجتماعات وتحضيرات كلها تخدم الوقت الذي يحتاجه السوريون
لتمكين أنفسهم على أرض الواقع للمعركة العسكرية الداخلية الذي من خلاله يريدون فرض
تسوية دولية تخدم مشروعهم ومشاريع حلفائها الروس والصينيين والإيرانيين.
في الجهة المقابلة هناك رأي معاكس متناقض مع ما قيل
أعلاه يقول: أن ما جرى هو تراجع وهزيمة للمشروع السوري الذي دفع فيه السوريون الدم
والتضحيات وعاشوا ضنك العيش ليحصلوا على توازن استراتيجي ضد الصهاينة يخدم تحرير الجولان
وفرض سلام "مشرف".
فلماذا يتم رمي كل تضحيات الشعبية السورية من أجل
خلق توازن استراتيجي ضد الصهاينة بكل سهولة وبجرة قلم؟
ويتذكر السوريون الحصار العالمي غير المعلن عليهم
من كل العالم وهم الشعب السوري من ضحى وعاش الحرمان وضنك العيش الشديد ليصنع ما يقول
به "لا" ضد الصهاينة والاستكبار العالمي، وهو نفس الشعب السوري الذي يعيش
في بلد نفطي زراعي سياحي بقوة بشرية هائلة وكان يستطيع أن يحصل على كل شي من رغد العيش
والحياة الناعمة.
وهذا الرأي يقول أن كل ما جري يخدم أمن الصهاينة
حصلوا عليه مجانا من غير ضريبة للدم أو المال، وكل هذا من تهويش مؤتمرات وفرقعات إعلامية
قام بها الرئيس الأميركي ومن يتبعه من "شذوذ" فرنسي!
وهذا الرأي يضيف أن أتفاقا كهذا هو ليس فقط خسارة
"لردع كان موجود" بل ذلا نفسيا واجتماعيا تم وضع السوريين فيه مما يسبب سقوطا
معنويا كبيرا لهم، ناهيك أن ما تم الاتفاق عليه يُذكر الناس بسيناريو القذافي حين قام
وسلم كل ما لديه من ترسانة كيماوية وكل ما لديه من تقنية نووية ناشئة ناهيك عن كشفه
لكل من ساعدوه من علماء وأجهزة استخبارات وشبكات مساندة!.
أن كل ما قام به القذافي من أجل أرضاء الغرب لم يمنع
الغرب من إسقاطه حيث أنتهى هو ونظامه، فهل ما قامت به سوريا حاليا هو تكرار لخطأ القذافي؟
ناهيك أن هذا الرأي يقول كذلك أن هناك تداخلا من
حب لبقاء في السلطة لأفراد مع مشروع الدولة السورية الاستراتيجي لتحرير لجولان فلماذا
يتم التضحية بالمشروع من أجل "سلطة لأفراد" وبالأساس هو مشروع "لوطن
وشعب"؟ ولماذا الخوف من الحرب والبلد تستعد لهذا اليوم منذ أربعين سنة؟
فماذا ستخسر سوريا فكل شيء ذهب من انجازات الدولة
ولم يبقَ شيء إلا الجيش والمراد أيضا تدميره من خلال استنزاف طويل أو عدوان قادم لا
محالة، وعليه انتظار "وهم" لمؤتمر جنيف لن يأتي هو سراب سيدمر الجيش بسم
الأفعى البطيء، وعليه الواجب والمفروض أن يدخل الجيش ليتصدى للعدوان القادم وهو
"يستطيع" قبل إن يصل لمرحلة من الاستنزاف "لا يستطيع" فيها عمل
شيء من ردع قتالي فلماذا الموت البطيء وانتظار "وهم" لمؤتمر وهناك فرصة واقعية
لحياة من خلال حرب عسكرية يتم فيها فرض تسوية سياسية تحقق المطلوب من أهداف؟
وأيضا يقول هذا الرأي: أن سياسة سد الذرائع لسحب
أسباب العدوان هي سياسة فاشلة وأسلوب قام به آخرين إلى أخر رمق وإلى أخر كأس من الذل
ولكن رغم كل شيء فأن مشاريع الاستكبار مستمرة بالحركة وبالعدوان.
وهذا الرأي يقول كذلك: أن هناك تكرارا لعدم احترام
لآدمية المواطن السوري مستمرة إلى ألان حيث تم حسم مشكل خارجي كبير بعيدا عن رأي لمواطن
أو لمن يمثله، وواضح أن هيكلية المؤسسات التي بواجهة الدولة السورية من برلمان وخلافه
هي شكلية وكرتونية، فالرأي هو للأجهزة الأمنية المتداخلة والمتشابكة ولقرارها، وأين
هو البرلمان المنتخب؟ ضمن الدستور الجديد من قرار استراتيجي كهذا؟ فلا رأي لنائب أو
صوت لحزب ممثل بالبرلمان أو اجتماع حتى للجنة؟!
أذن هو صراع رأيين يتحركان في واقع الحوار السياسي
الذي يحاول أن يفكر بصوت عال. أن المشكل هنا تتخلص أن هناك حراكا أعلاميا بالواجهة
وهناك ما هو خلف الطاولات فتوفر معلومات مخفية تقلب الرأي وحيث يتم تحويل ما هو يبدو
خطأ فيصبح صوابا والعكس صحيح، والاستعراض الإعلامي ليس له مكان في أرض الواقع.
ولنتذكر التاريخ حين عاشت الولايات المتحدة النشوة
الإعلامية أبان أزمة الصواريخ الكوبية، لينكشف بعد زمن أنه هناك انتصارا سوفيتيا مخفيا
وتنازلا أميركيا مقابل سحب الصواريخ من تركيا.
فهل هناك بالمبادرة الروسية الأخيرة ما لا نعرفه؟
يقدم للدولة في سوريا ولمشروعها الاستراتيجي ما تريده وما يحقق أهدافها؟
هل هناك ما حدث خلف الكواليس مما لا نعلمه، هل هناك
تحويل "لذل التنازل" إلى "انتصار قادم"؟
هو "وهم" لصفقة أم انتصار لمشروع؟
لا أعرف، وهو سؤال سيجاوب عليه المستقبل القريب فقط.(ميدل
ايست اونلاين)
0 التعليقات :
إرسال تعليق