بقلم: بسمة بوزكري
لا تبدو صورة المرأة
التونسية بعد الثورة متماهية والمكانة التي اكتسبتها بمقتضى مجلة (قانون) الأحوال الشخصية
منذ استقلال البلاد عام 1956. مكاسب قانونية ونمط مجتمعي كرّسه الحبيب بورقيبة منذ
حادثة نزع "السفساري" (زيّ تقليدي) عن إحداهن عام 1960 جعل المرأة التونسية
شريكا فاعلا في بناء الجمهورية الأولى، وألقاب ونجاحات عربية ودولية كان نظام زين العابدين
بن علي يتبجّح بها طيلة عقدين من الزمن وينسبها لمناخ "الأمن والأمان" في"تونس
التحوّل" كأنّما هو صانعها بعد أن صدّق أنّه "صانع التغيير" في البلد
كلّه بشهادة طبيّة*.
لكن هذه المكاسب
أصبحت اليوم في الميزان مع كلّ خطاب سياسي جديد يطالعنا صاحبه بـ"فتوى مناهضة"
أو "صورة مهترئة" للمرأة التونسية!
فحقوق المرأة وتطوير
مكانتها في المجتمع كانت دوما النقطة الأبرز في البرامج الانتخابية، على اعتبار أنّه
كان ثمّة برنامج انتخابي جديد في كلّ دورة انتخابية يضمن فوز المرشّح الواحد بنسبة
99,99 بالمائة.
ونحن على أبواب انتخابات قادمة رئاسية وبرلمانية
من المنتظر أن تنهي مسارا انتقاليا طال أكثر ممّا ينبغي (أربع سنوات) وتهيّئ تونس لمرحلة
الجمهورية الثانية ، أثارت تصريحات رئيس حزب نداء تونس الليبرالي والمترشّح للانتخابات
الرئاسية، الباجي قائد السبسي، الجدل مجدّدا حول مستقبل المرأة ومكانتها في تونس في
المرحلة القادمة.
السبسي اختصر ردّه
على النائبة الأولى لرئيس المجلس التأسيسي والقيادية بحركة النهضة "محرزية العبيدي"
بخصوص موقفها من تعامل حكومته السابقة إبّان الثورة مع تنظيم "أنصار الشريعة"
بقوله "ماك إلاّ مرا"( لست سوى امرأة) في إشارة إلى أنّها لا تستحق عناء
الردّ كونها "إمرأة"!؟؟
فهل كان على السبسي
وهو من السياسيين المخضرمين إدراك أنّ الوصف مهين له قبل أن يكون مهينا للعبيدي وهو
على أبواب حملة انتخابية رئاسية؟ أم أنّ للعمر شطحات قد تغفر زلاّت اللسان وقصور الذاكرة!
وهل يتقصّد السبسي عفويته الزائدة عن حدّها، مع كلّ إطلالة إعلامية، محاولا لعب دور
بورقيبة الأبويّ تجاه شعب كان غارقا في الأميّة؟
في كلتا الحالتين
زلّة اللسان هذه كانت فرصة لخصوم السبسي السياسيين وغيرهم ليطلقوا موجة من الانتقادات
اللاذعة، نبشت مجدّدا في أرشيف الرجل السياسي وتاريخه الطويل في أقبية وزارة الداخلية!
ولكنّ السبسي ليس
المرشّح الوحيد الذي أهان المرأة التونسية، فمن بين الطامعين في المنصب والمرفوضة ملفّات
ترشّحهم (حتى الآن)، اسمين كان الاتحاد الوطني للمرأة التونسية قد دعا لعدم التصويت
لهما في حال دخولهما سباق الانتخابات الرئاسية جرّاء تصريحاتهما العدائية تجاه المرأة.
أوّلهما استكثر على
المرأة أن يٌنشر اسمها على الملأ وهو ما اعتبره "تضييقا قانونيا مجحفا وغير شرعي
متفوّقا على جماعة "صوت المرأة عورة" ببدعة " اسم المرأة عورة"َ!
أمّا ثانيهما فيمكن اختزال تاريخه السياسي في فتاوى
نظام الجواري وزواج الصغيرات وتعدّد الزوجات والزواج العرفي كحلول للعنوسة والفساد
الأخلاقي في مجتمع "أصبحت المرأة تبيع فيه شرفها بسندويتش" ( لو كان البريطاني
جون منتاغو حيّا للعن اليوم الذي فكّر فيه في ابتداع فكرة السندويتش)!
العداء الذكوري تجاه
المرأة التونسية تاريخي، وهي فرضت دوما الاعتراف بنجاحاتها، فالمرأة الريفية المجاهدة
في أرض يتعاقب ساستها على نهبها كما المرأة المثقفة المناضلة في مجتمع ذكوري يرفض الاعتراف
بتفوقها، كلاهما استحقتا أن تنحني لهما الرؤوس احتراما ولن يكون "غسل سيقان سي
السيد" فريضتها اليومية كما طالب أحد نوّاب المجلس التأسيسي (البرلمان) التونسي
الذي انتشى كثيرا في دعواه حدّ اعتباره المدافعين عن النساء "مخنثين"!
وفضلا عن ذلك، يبدو
حضور المرأة التونسية في الانتخابات الرئاسية "مخز" في ظلّ وجود مترشحة واحدة
في قائمة تضم سبعة وعشرين اسما، كما أن حضورها في الانتخابات التشريعية لا يلتزم بمبدأ
التناصف بين الإناث والذكور الذي بشّر به الدستور.
لكن الأنكى من ذلك
كلّه أن يستكثر سياسيون ومواطنون على امرأة أن تحلم بمنصب الرئيس أو ربما استكثروا
على تونس أن تحكمها امرأة! فهل نسوا عليسة حاكمة قرطاج الأولى؟
والأنكى من ذلك كلّه،
أيضا، أن تفرض علينا ديمقراطية الفوضى أو ربّما هي فوضى الديمقراطية، ترشح منقبات لكراسي
في البرلمان التونسي القادم! فهل تناسى المتشدّقون بكلّ هذا الزيف أنّ الثوب خطاب موجّه
للآخر؟
فعلا أسوأ ما في
الديمقراطية أنّها تجبرنا على سماع أصوات الحمقى...شكرا ايزابيل أللندي على تلخيص حال
ندعي دوما أنّه ليس حالنا ونحن نستمع قسرا إلى خطابات من أدخلتهم منابر الإعلام إلى
البيوت التونسية دون استئذان أو مكّنتهم فوضى السياسة من اكتساب "مكانة"
في المشهد السياسي دون استحقاق.(جورنالي)
........................................................................................................................................
* وصل بن علي إلى الحكم في "انقلاب أبيض"
عام 1987 استنادا إلى شهادة طبية تثبت عجز بورقيبة عن تسيير دواليب الدولة.
0 التعليقات :
إرسال تعليق