ورقة المخيمات الفلسطينية في لبنان: استغلال سوري ولامبلاة لبنانية




بقلم: فادي شامية

لعله من لزوم ما لا يلزم؛ التذكير بأن النظام السوري يسعى لتصدير أزمته، وأنه – وجانب من حلفائه- يسعى لاستخدام ورقة المخيمات الفلسطينية، لتفجير الأوضاع في لبنان، وأنه يعمل على ربط المخيمات بمناطق ذات غالبية سنية (في الشمال والبقاع) عبر "القاعدة"، في دعاية تهدف إلى تمديد أجل سقوطه!

جهود التفجير

الترجمة العملية للمسلَّمَة السابقة؛ لم تعد مجرد تكهنات وإشارات سلبية. لقد باتت اليوم واقعاً ملموساً بعد الإشكالات المتنقلة بين المخيمات لا سيما نهر البارد وعين الحلوة، غير أن استشعار الخطر -انطلاقاً من تجارب سابقة- أثمر تحصيناً مسبقاً من "المتوقع"، ما أسهم في الحد من مخاطر التفجير المتعمد.

في المعطيات المادية ينقل زوار قيادة الجيش عنها معلومات عن عناصر غير بريئة داخل المخيمات تحرض على الجيش. لم يُبقِ الجيش هذا الأمر حبيس الغرف المغلقة، فبيانه "التنبيهي" لـ"الأخوة الفلسطينيين" من العناصر التي تقوم بـ"تحريضهم على الجيش ودفعهم إلى مواجهته" واضح.

كما أن تحركات بعض العناصر التابعة لـ "الجبهة الشعبية- القيادة العامة" في مخيم نهر البارد ومخيم البدواي أكيدة. فضلاً عن أن جولة أحمد جبريل نفسها على القوى الحليفة للنظام السوري بعد اجتماعه مع الرئيس بشار الأسد تكفّلت أصلاً بتوتير الأوضاع واضطرار الجيش اللبناني لاتخاذ إجراءات مشددة، أسهمت في الحادثة التي وقعت يوم الجمعة (15/6) وأدت إلى مقتل الفتى الفلسطيني أحمد قاسم وإصابة أكثر من عشرة فلسطينيين آخرين.

التحريض نفسه هو الذي دفع مجموعة من الشبان الفلسطينيين للسير باتجاه موقع للجيش لمهاجمته في نهر البارد، خلافاً لمسار موكب التشييع، يوم الاثنين (18/6)، ما أدى إلى مقتل فؤاد لوباني وإصابة شقيقيه وآخرين.

في المعطيات أيضاً؛ أن عناصر تابعة لـ"حزب الله" موجودة في محلة التعمير في صيدا، هي من أطلق النار باتجاه مخيم عين الحلوة، يوم الاثنين (18/6)، فبحسب المصادر العسكرية اللبنانية أن عناصر الجيش "لم تطلق النار على المسيرة التضامنية مع مخيم نهر البارد، وأن من أطلق النار كان موجوداً في إحدى بنايات محلة التعمير، وعناصر الجيش لم يطلقوا النار إلا في الهواء لتفريق المتظاهرين الذي اقتحموا الحاجز على مدخل المخيم"، غير أن جهة حزبية وزعت على وسائل الإعلام بياناً يتهم عناصر أصولية بإطلاق النار على الجيش والمخيم، مضيفة واقعة معكوسة، ظهر فيها اسم شخص من آل ديراني (محسوب على "حزب الله" والتنظيم الناصري) ضحية إطلاق نار من قبل شخص من آل الملاح (سلفي)، مع أن الذي حدث هو العكس، إذ يرقد الملاح في المستشفى، بينما لا يزال الديراني طليقاً حتى الآن!.

وفيما لا تزال ملابسات مقتل الشاب خالد اليوسف في مخيم عين الحلوة غير واضحة، كان لافتاً جداً التغطية "التضخيمية" المباشرة لإعلام "حزب الله" عصر الأربعاء (20/6) بزعم أن فلسطينيين يهاجمون الجيش، مع أن الأمر لم يتعد حرق إطارات ورمي الحجارة، وهو أمر أثار استياءً داخل المخيم، وأشعر الفلسطينيين أن ثمة من يريد توريطهم في إشكال كبير، لا يريدونه.

فوق هذا وذاك؛ يستمر الضخ الإخباري المتواصل من جانب الإعلام الحليف للنظام السوري، تارةً بزعم أن عناصر خرجت من مخيم عين الحلوة باتجاه سوريا، وتارة بزعم "رصد مظاهر مسلحة انطلاقاً من عين الحلوة"، وتارة بزعم "اكتشاف مخطط لاغتيال الرئيس نبيه بري والبطريرك الراعي من قبل مجموعة تتخذ من عين الحلوة مقراً لها"، وتارة بزعم أن عناصر من "الجيش السوري الحر" دخلت إلى لبنان وتوزعت على مخيمات الشمال، وأنها تريد استهداف الجيش اللبناني بالتعاون مع عناصر فلسطينية سلفية.

 فيما تتابع جوقة النائب ميشال عون بث كل ما من شأنه إفساد العلاقة اللبنانية-الفلسطينية، من خلال وضع الفلسطينيين في مواجهة الجيش والتحريض عليهم، وصولاً إلى اتهام النائب عن الحزب "السوري القومي" مروان فارس تيار "المستقبل" بـافتعال أحداث نهر البارد والاعتداء على الجيش والتحريض عليه!.

حصانة المخيمات جيدة وتحتاج للدعم

إزاء ما سبق؛ أظهرت المخيمات الفلسطينية حصانة معقولة تجاه جهود التفجير، فقد تبّدت رؤية الفصائل موحدةً لجهة عدم الزج بالمخيمات الفلسطينية في أتون الصراعات اللبنانية، كما ظهرت الرغبة واضحة في لجم أي انفعال شعبي، وضبط العناصر التي يسهل اختراقها، وعزل أي حادثة من شأنها توتير الأوضاع داخل المخيمات، أو في علاقتها مع محيطها اللبناني.

وعلى الأرض؛ أسهمت الفصائل جدياً في الحد من التوتر في نهر البارد، لدرجة اتهامها من قبل بعض المتحمسين بأنها "متواطئة على المخيم"، كما أسهمت القوى المسلحة في مخيم عين الحلوة في منع اقتراب أية عناصر من مواقع الجيش، الأمر الذي أسهم فعلياً بعدم أخذ الأمور مساراً آخر.

وإلى الوعي الفلسطيني يضاف وعي لبناني تمثل بهدوء الجيش -في عين الحلوة تحديداً- وتواصل القيادات اللبنانية مع القوى الفلسطينية داخل المخيمات، وتواصل الرئيس محمود عباس مع الرئيس ميشال سليمان.

 وقد أنتج ذلك كله تبريداً للأجواء، وإطلاقاً لسراح الموقوفين في مخيم نهر البارد، و"تفهماً" من جانب الجيش لغضب الفلسطينيين، ولجنة تحقيق مشتركة لبنانية - فلسطينية حول ما جرى في عين الحلوة.

غير أن هذه الحصانة تحتاج إلى دعم من الجانبين الفلسطيني واللبناني:

- فلسطينياً: باتت الحاجة أكبر لوجود جهة تمثيلية، تحظى بقبول فلسطيني عام؛ تطرح هواجس ومطالب الفلسطينيين وتمثلهم أمام الجهات الرسمية اللبنانية، وتسمع بالمقابل هواجس ومطالب الجانب الآخر.

- لبنانياً: المطلوب تفعيل لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني، والاهتمام بشؤون الفلسطينيين الإنسانية والحياتية، والتعاطي السياسي لا الأمني معهم. ويأتي في هذا الإطار إعادة النظر جدياً في الإجراءات الأمنية المرهقة حول مخيم نهر البارد، علماً أنه مخيم منزوع السلاح، وقد عانى أهله -وما يزالون- من الكارثة التي حلت عليهم بسبب "فتح-الإسلام" (مع ملاحظة أن هذه الإجراءات كانت الشرارة التي اطلقت الاحتجاجات).

الحكومة غير مبالية!

المفترض إذاً؛ أن تبذل الحكومة اللبنانية جهوداً كبيرة لنزع فتيل التفجير من هذا الملف، إن لجهة الضغط على الفلسطينيين لتوحيد تمثيلهم وترتيب أوضاعهم أكثر، أو لجهة العناية بالملف الفلسطيني وتفعيل الحوار والأواصر اللبنانية الفلسطينية، أو لجهة نزع الصفة الأمنية عن هذا الملف واتخاذ موقف من التصريحات التحريضية ضد الفلسطينيين، بما يستتبع وضعهم في مواجهة مع الجيش وفرض مزيد من الإجراءات الأمنية حول مخيماتهم.

والواقع أن الحكومة اللبنانية لم تظهر مسؤولية توازي خطورة ملف المخيمات؛ فلا هي تفاعلت سياسياً مع غضبة أهالي مخيم نهر البارد بعد مقتل الفتى أحمد قاسم برصاص الجيش اللبناني عن طريق الخطأ، ولا هي أرسلت أي وزير لأي مخيم أو عقدت اجتماعاً خاصاً بملف المخيمات ذي الشجون المختلفة، ولا هي اهتمت لاستقالة السفير عبد المجيد قصير –كما استقالة مساعده من قبل- من لجنة رئاسة لجنة الحوار الفلسطيني-اللبناني، ولا هي اكترثت بجهود سنوات مضنية من ترميم وبناء العلاقة اللبنانية- الفلطسنية بعد أحداث نهر البارد.

أليس عجيباً أن يُترك الجيش لوحده أمام ملف بهذا الحجم؟ أليس عجيباً أن يصبح الجيش اللبناني قوة عسكرية لحفظ الأمن، وجهة سياسية تستقبل الفصائل وتفاوضهم وتتفق معهم على جملة إجراءات، ثم تصدر بياناً لتذكيرهم بنما اتفقوا عليه (بيان مديرية التوجيه)؟ أليس أكثر عجباً أن يلجأ النواب إلى قادة بعض الأجهزة الأمنية –إضافة إلى قيادة الجيش ومديرية المخابرات- لبحث التهدئة وتبريد الأجواء، بدل أن ترسم الحكومة نفسها –بعد محاورة الجانب الفلسطيني- الخطوات واجبة الاتباع من قبل الجيش والأجهزة، ثم تحيلها إلى التنفيذ؟! أم أن سياسة الحكومة "النأي بالنفس" عن هذا الموضوع أيضاً؟(ميدل إيست أونلاين)
شارك على جوجل بلس

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق