التونسيون منقسمون حول النقاب: حرية شخصية أم بداية لـ"الأفغنة"؟




تونس - أطلقت جمعية "مساواة وتناصف" غير الحكومية مؤخرا حملة هي الأولى من نوعها في تونس ضد ارتداء النقاب الذي انتشر أكثر بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي هرب إلى السعودية في 14 كانون الثاني/يناير 2011.

فائزة سكندراني رئيسة الجمعية التي تأسست في نيسان/ أبريل 2011 قالت إن الحملة ستتواصل دون توقف وأنها تتضمن حملات "توعوية" داخل محلات تجارية لملابس النساء وعلى شبكات التواصل الاجتماعي.

وعن دوافع إطلاق هذه الحملة، قالت سكندراني بأن النقاب "زي دخيل على تونس، فلا أمهاتنا ولا جداتنا ولا أمهات جداتنا استعملناه".

واعتبرت بأن النقاب هو "عنوان للرجعية والظلامية" وأنه "ينسف ما اكتسبته المرأة التونسية منذ الاستقلال من حقوق" فريدة من نوعها في العالم العربي، داعية وسائل الإعلام في بلادها إلى الانخراط في الحملة.

آراء متباينة حول الحملة

انقسمت آراء التونسيين بخصوص هذه الحملة إلى قسمين الأول رحّب بها والثاني رأى فيها مسا بالحريات الشخصية. إيمان (23 عاما) طالبة جامعية عبرت عن أملها في استصدار قانون صريح يمنع النقاب في تونس "لأسباب أمنية بالأساس، فنحن لا نعرف من يتخفى وراءه هذا اللباس الأسود، رجل أم امرأة، أم إرهابي قد يفجر نفسه في فضاء عام؟".

ألفة يوسف الباحثة والكاتبة التي اشتهرت بمقاربتها النقدية للفكر الإسلامي تعتقد أن من يخفي وجهه بالنقاب، يرفض العيش في المجتمع والتعامل مع الآخرين، وترى أنه من الأفضل للمنقبات المكوث في البيت أو الدراسة "عن بعد" بالانترنت.

 أما ابتهال عبد اللطيف رئيسة جمعية "نساء تونسيات" فقد نبهت إلى أنه ''في حالة تشبثت المنقبة بنقابها، فلها ذلك لأن حرية اللباس حرية شخصية مكفولة لكل مواطن" مؤكدة ضرورة "احترام المواطنين لخيارات بعضهم لبعض".

إلا أن فائزة سكندراني رئيسة جمعية "مساواة وتناصف" لا تشاطرها هذا الرأي. إذ تقول "المرأة التي ترتدي النقاب تمحي نفسها من الفضاء العام، وتمس من حرية الآخرين إذ ترى وجوههم وتتعرف على هوياتهم بينما هم لا يرون وجهها، ولا يتعرفون على هويتها، فكيف نقول أن ذلك حرية شخصية؟".

في الأثناء انتقدت منظمة ''حرية وإنصاف" ما أسمته بـ"الاجتهادات الشخصية" بخصوص النقاب وقالت إنها "تذكر بممارسات النظام البائد في مضايقة الشباب في اختياراتهم الدينية".

سيدة منقبة تدعى سعاد إن ارتداء النقاب "فرض ديني" ونصحت التونسيات بارتدائه "لصون أنفسهن بدلا من التبرج بالملابس الفاتنة".

ولم تخف السيدة "مشاعر عدم الراحة" لدى أشخاص تتعامل معهم يوميا، فسائق سيارة تاكسي رفض أن تصعد في سيارته ما لم تكشف عن وجهها، وحراس محلات تجارية اعتادت التسوق فيها "يراقبونها أكثر من اللزوم" خشية أن تكون لصا متنكرا يريد سرقة بضائع بإخفائها تحت الجلباب الواسع، وبعض المارة في الشارع ينعتونها ب"طالبان" وفق تعبيرها.

ديناميكية دينية أم حركة وهابية؟

وقال الأستاذ الجامعي سالم الأبيض المختص في علم الاجتماع الديني إن انتشار ظاهرة النقاب في تونس يرجع إلى ما عرفته البلاد من "ديناميكية دينية" إثر الثورة التي أطاحت بنظام سياسي كان يحظر الحجاب والنقاب. لكن فائزة سكندراني رئيسة جمعية "مساواة وتناصف" دفعت بأن ظهور النقاب في تونس يدخل ضمن "إستراتيجية مدروسة تقودها الحركة الوهابية من أجل أفغنة وطلبنة المجتمع التونسي الوسطي والمعتدل وإثارة الفتنة فيه".

ولاحظت أن ظهور النقاب في بلادها "تزامن مع صعود تيارات سلفية متشددة خارجة عن القانون تقودها "الحركة الوهابية" عن بعد بالريموت كونترول"، لافتة إلى أن هذه الحركة تدفع عبر وسطاء "رواتب شهرية" لنساء فقيرات مقابل ارتدائهن النقاب.

السلفيون وفرض النقاب بالعنف

في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2011 اقتحم نحو 200 سلفي كلّيّة الآداب والعلوم السياسية بمدينة سوسة (وسط شرق)، واعتدوا بالعنف الشّديد على الكاتب العام للكليّة بعد أن رفض تسجيل طالبة منقبة رفضت الكشف عن وجهها. ودخل طلاب سلفيون بعدها، في اعتصام مفتوح داخل "كلية الآداب و الفنون و الإنسانيات" بمدينة منوبة (غرب العاصمة) استمر أكثر من ثلاثة أشهر للاحتجاج على رفض إدارة الكلية السماح لأربع طالبات منقبات بالدخول إلى الفصل ووجوههن  مغطاة. وأربك هذا الاعتصام الذي تخللته اعتداءات بالعنف اللفظي والمادي على  عميد الكلية وبعض أساتذتها وموظفيها، سير الدروس والامتحانات في هذه المؤسسة الجامعية التي يدرس فيها أكثر من 10 آلاف طالب.

عشرات من النساء والفتيات المنقبات نظمن مسيرة احتجاجية في العاصمة تونس نددن فيها بمنع الطالبات المنقبات من دخول المؤسسات الجامعية، وطالبن بتمكينهن من ارتداء النقاب داخل الحرم الجامعي بحرية وبإجراء الامتحانات وهن منقبات.
وأعلن عمداء الجامعات التونسية في بيان مشترك "رفضهم القطعي" السماح للطالبات بالدخول إلى فصول الدراسة ووجوههن مغطاة لأسباب قالوا إنها "تربوية وتواصلية".  ولئن حسمت وزارة التربية التي تشرف على مراحل التعليم ما قبل العالي موقفها من النقاب بإصدار منشور يمنع ارتداءه في المؤسسات التعليمية التابعة لها، فإن وزارة التعليم العالي فضلت الحصول على "استشارة قانونية" حول الموضوع من المحكمة الإدارية.

المحكمة قالت في ردها على هذه الاستشارة إن "تنظيم ارتداء النقاب داخل الحرم الجامعي يدخل ضمن صلاحيات عمداء ومديري تلك المؤسسات بوصفهم رؤساء المصالح الإدارية للمؤسسات المذكورة".

وأشارت إلى أن القوانين التونسية الحالية تقر بأنه "لا حق لأحد في الانتفاع بالخدمات التي يسديها المرفق العمومي بمقراته المفتوحة للعموم وهو مغطى الوجه".(دويتشه فيلله)
شارك على جوجل بلس

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق