إعداد: باسل
الجنيدي
تفترض
النظرة العامّة لمفهوم الإرهاب أنّه من إفرازات القاع في المجتمع، لا يمارسه إلا
جاهل أو مسحوق أو عاطل عن العمل، وتستند هذه الفرضيّة بالمجمل على المنطق الذي
يحكم تفاعلات المكوّنات الاجتماعيّة ومفرزاتها، لكن -وبالمقابل- يبدو أنّ العلوم
الإنسانيّة التي تجهد في دراسة ظاهرة الإرهاب وتحليلها بدأت تؤسّس لفرضيّة مخالفة،
إذ تثبت الدراسات الأخيرة أنّ ربط "الإرهاب" بالقاع الاجتماعي -من
الناحية المادّية والثقافية- هو ربطٌ وهمي.
وخلصت
دراسة حديثة نشرت في مجلّة "القانون وسلوك البشر" إلى أنّ المفاهيم
الشائعة عن "الإرهاب" بعيدة عن الحقيقة، فالشخص الذي يرتكب عملاً
إرهابياً هو غالباً -وعلى غير المتوقّع- متعلّم أنهى تعليمه الثانوي على أقلّ
تقدير، كما أنّه عامل يحصل على أجر جيّد ويندر أن يكون عاطلاً عن العمل، أي أنّه
من الناحية الماديّة والثقافيّة لا ينتمي إلى قاع المجتمع.
ويكون
الأشخاص غالباً في ريعان شبابهم أثناء ارتكابهم للأعمال الإرهابيّة، إذ تتراوح
أعمار الإرهابيّين -من الذكور والإناث- بين السادسة عشر عاماً وبين الخامسة
والثلاثين، كما أنّهم يفضّلون القيام بالأعمال الإرهابيّة في موطنهم الأصلي إذ أنّ
أغلب الأعمال الإرهابيّة يمارسها سكّان أصلّيون للمنطقة، لا المهاجرين أو الأجانب.
إضافة لكلّ ذلك، يندر جداً أن يكون للإرهابي سجلّ إجراميّ سابق قبل ممارسته
للإرهاب وهو ما يخالف كلّ التوقّعات التي تفترض أنّ امتلاك مهنة تعتمد على الجرائم
الجنائيّة -كرجل العصابات أو السرقة إلخ- يمهّد للقيام بأعمال إرهابيّة، ويعلّق
مؤلّف الدراسة على هذه المفصليّة بقوله "خلافاً لكلّ الجرائم الأخرى، في حالة
الإرهاب لدينا أمثلة قليلة جداً عن تورّط سابق في نشاطات إجراميّة".
ويكون
أحياناً للإرهاب "قصّة عائليّة"، إذ ينحدر ثلث الإرهابّين من عائلات
لديها اتصالات مع الأنشطة الإرهابيّة، لكن يصرّ نصف هؤلاء إلى أنّ الصلات
العائليّة لم تكن بحدّ ذاتها محفّزاً على ارتكاب الجرم الإرهابي، وبالمقارنة بين
الرجال والنساء من حيث الدوافع يميل الإرهابّيون من الرجال إلى الانضمام إلى
مجموعات تمارس الإرهاب المنظّم، بينما تنطلق الإرهابيّات من النساء من دوافع
شخصيّة غالباً تكون انتقاميّة لوفاة شخص مقرّب أو محبوب.
ومن صفات
المرأة الإرهابيّة أنّها متعلّمة (بنسبة أكبر من الرجل) وأكملت دراستها بعد
المرحلة الثانويّة، غالباً هي مطلّقة أو أرملة، لذا فإنّ "بعض المفاهيم
الشعبيّة عن إرهاب النساء لا يعكس حقيقة الأمر" كما يعلّق مؤلّف الدراسة.
وقام
الباحثون في هذه الدراسة بمراجعة أرشيف لبيانات -من مصادر مختلفة- عن السيرة
الذاتيّة لإرهابيّين وإرهابيّات، شملت الدراسة لـ 222 إمرأة و269 رجلاً سبق أن
تورّطوا في عمليّات إرهابيّة، ينتمي بعضهم لتنظيمات دينيّة متشدّدة (كالقاعدة) وبعضهم
الآخر لجيوش أو انفصاليين في بقاع مختلفة من العالم.
ويرى
الباحثون أنّ أهميّة التأسيس لفرضيّة جديدة هي "أكثر واقعيّة" في توصيف
ظاهرة الإرهاب، يقدّم فهماً جديداً للديناميكيّات الاجتماعيّة التي تعزّز مشاركة
الفرد في النشاطات الإرهابيّة، وبالتالي تكون محاولات الحدّ من "الإرهاب" أكثر واقعيّة ونجاعة.(إيفارما نيوز)
0 التعليقات :
إرسال تعليق