بقلم: د. خليل حسين
شكلت قضية
اختطاف الأحد عشر لبنانياً وما تلاها من فصول، محطة لافتة في يومياته السياسية
والأمنية المعتادة، لكن مفارقتها وتداعياتها المنظورة أتت بعكس ما هو متوقع في
الحياة السياسية اللبنانية.
ففيما كان
لبنان يقبع تحت ضغوط الانفجار الداخلي، أتت عملية الاختطاف لتعيد رسم صورة
رومانسية غير معتادة في تلك الظروف والوقائع. فأعادت خلط الأوراق الداخلية بشكل
ايجابي، ودفعت بأطراف إقليميين فاعلين للحراك بهدف إنهاء قضية الاختطاف وطبعا
أشياء أخرى.
وان كانت قضية
الاختطاف شكلت قضية إنسانية لدى مختلف الأفرقاء اللبنانيين، فقد استثمرت في
السياسة من بابها العريض. فسرعان ما كانت مناسبة في لحظة معينة، لإطلاق فكرة
الحوار الوطني مرة أخرى وقبول أطرافها الأساسيين بها، بصرف النظر عن مضمون الحوار
ومآلاته. ويبدو ان ذلك الاستثمار يعتبر مخرجاً لجميع الأطراف للخروج من حالة
الجمود القائم المغلف بجميع أسباب وأدوات الانفجار الداخلي.
وكعادة
لبنان وقضاياه، شكلت عملية الاختطاف أيضاً مناسبة لحراك إقليمي في غير اتجاه،
ظاهرها إطلاق المخطوفين وباطنها إعادة التأثير في الأزمة اللبنانية القائمة
وتوجيهها أو إدارتها وفقا لمعايير ومعطيات جديدة، بعدما استنزفت وقائع الفترة
السابقة، مجمل الوقت المستقطع من عمر الأزمة وأدواتها الثانويين والرئيسيين.
ففي المقلب
الداخلي، وان كانت طاولات الحوار قد جربت كثيراً في السابق لاحتواء أزمات طارئة،
أو لإدارة أزمات مستفحلة، تبدو الآن بنظر الكثير من اللبنانيين ضرورة ملحة، بعدما
وصلت الأمور إلى نهايات مقفلة تنذر بانفجار يصعب السيطرة عليه أو حتى التحكّم
بنهاياته.
لكن هل ان
الظروف القائمة حالياً هي من النوع التي يمكن احتواؤها بحوار حول قضايا يعتبرها كل
طرف من أطرافه مسألة إستراتيجية في أجنداته السياسية؟ ثمة من يحاول ان يقنع نفسه
في لبنان أن اللقاء على قاعدة "حوار الطرشان" يبقى أفضل الممكن،
باعتباره خياراً معقولاً في ظل عدم قدرة أي طرف من أطراف النزاع حسم الأمور
لمصلحته قبل الانتخابات النيابية في العام القادم أو حتى الانتخابات الرئاسية في
العام الذي يليه. من هنا يأتي القبول على مضض بعدما اقتنع الجميع ان لا فرص متاحة
لحسم أي خيار بمعزل عن ضغوط خارجية.
في المقلب
الإقليمي، ثمة أزمة مستفحلة في سوريا، انتقلت عدواها سريعاً إلى لبنان، وباتت
السيطرة عليها معجزة تفوق قدرة المؤثرين واللاعبين فيها، من هنا أتى الحراك
الإقليمي في قضية المخطوفين، ليعيد إنتاج وقائع لبنانية وإقليمية جديدة تتيح إدارة
الأزمتين السورية واللبنانية معاً خلال الفترة القادمة أقلها حتى الانتخابات
الأميركية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه أيضا في هذا المجال، هو هل ان ظروف المنطقة
تتيح مثل تلك الخيارات؟
في الواقع
ربما تمر دول المنطقة بفواعلها الأساسيين والثانويين بظروف دقيقة، تتقاطع فيها
مصالح وسياسات كثيرة، بعضها متباين وبعضها الآخر متقارب، لكن في مجمل الأحوال ثمة
خوف واضح لدى كل الأطراف من انزلاق الأزمات إلى أماكن يصعب السيطرة عليها، فإيران
مثلا رحّلت مفاوضات برنامجها النووي إلى موسكو في ظل حالة شد وجذب دقيقة، فيما
تركيا تكافح للعودة كلاعب مؤثر وفعال بعدما تراجع دورها نسبيا، أما إسرائيل
فظاهريا تشهد حالة إرباك وهي في موقع غير مقرر بصفة انفرادية، فيما هذا الوضع بالتحديد
يثير خوف الآخرين من لحظة عسكرية انفعالية تقلب الأمور رأساً على عقب.
وحدها
الأطراف اللبنانية مضطرة لمسايرة هذا الوضع والتجاوب معه بكل مفرداته السياسية
بصرف النظر عن حساباتها في الربح والخسارة، وفي ظل ذلك، يبدو ان لا مفر ولا مناص
من طاولة الحوار المقترحة علها تستهلك بعض الوقت المطلوب ريثما تُرتب بيئة مناسبة
لإطلاق مشاريع أخرى ليست بالضرورة تنتج حلولا ما.
تبقى قضية
المخطوفين الأحد عشر التي حرّكت وضعاً راكداً على صفيح ساخن، تفعل فعلها بين أطراف
إقليميين لكل منها كلمته الخاصة في غير ملف لبناني، وبصرف النظر عن مآلات القضية
ونهاياتها، يمكن القول ان رب ضارة نافعة في لبنان وهو أمر غير معتاد بل يعتبر
استثنائياً بالقياس على ما مر به لبنان في مختلف حقبات تاريخه الحديث والمعاصر.(ميدل
إيست أونلاين)
0 التعليقات :
إرسال تعليق