اليمن "السعيد" بين حرب القاعدة وإعادة تشكيل الدولة




صنعاء - أدت الضربات العسكرية التي وجهها الجيش اليمني لجماعة أنصار الشريعة التابعة لتنظيم القاعدة في عدد من المناطق التي كانت قد سيطرت عليها جنوب البلاد منذ ما يزيد عن العام، وأعلنت فيها إمارات إسلامية بسرعة لافتة إلى دحر تلك الجماعة عن مناطق ظلت توصف بالحاضنة لها.

هذا الإنجاز الذي حققه الجيش اليمني المنقسم على نفسه أثار إعجاب وتقدير العديد من الأطراف الوطنية والإقليمية والدولية، كما طرح الكثير التساؤلات حول خلفيات هذه التطورات واحتمالات تأثيراتها المستقبلية على القضاء على تنظيم القاعدة واستعادة هذا البلد لاستقراره وأمنه.

وذكرت التقارير الواردة من ساحات المعارك أن العملية العسكرية الواسعة النطاق التي تحمل اسم "السيوف الذهبية" التي ينفذها الجيش اليمني ضد القاعدة كبدت هذه الأخيرة خسائر كبيرة في الأفراد والعتاد منها سقوط ميئات القتلى بينهم عدد من القادة الميدانيين وأسر آخرين وتدمير عدد من المعامل التي تستخدمها الجماعة لتجهيز السيارات المفخخة وناقلات الجند، وأغرقت عشرة قوارب كانت تحمل عناصر القاعدة أثناء فرارهم إلى البحر هرباً من ملاحقات الجيش  لهم.

أسباب نجاح عملية "السيوف الذهبية"
 
الباحث اليمني المتخصص في شؤون الجماعات الدينية سقاف السقاف في تقيمه لدحر الجيش اليمني لفلول أنصار الشريعة من المناطق المسيطر عليها علق بقوله "إن هذا التطور جاء كنتيجة طبيعية لتوافر الإرادة السياسية للتخلص من القاعدة التي كانت تستفيد من دعم مراكز نفوذ وقوى باتت معروفة للجميع، لكن اليوم المعطيات تغيرت وأصبحت الإرادة السياسية متوافقة إلى حد بعيد مع التوجه الإقليمي والدولي في مكافحة الإرهاب خاصة منذ دخول أطراف دولية وإقليمية كفاعلين في صياغة الانتقال السياسي في البلاد، والمتابع لسير المواجهات مع مقاتلي أنصار الشريعة لاحظ أن الجيش في حالة حرب شاملة امتدت إلى كل المحاور التي تركزت فيها  تلك الجماعات.

وحول تقيمه للدور الشعبي  في دحر القاعدة، يرى السقاف أن  السكان المحليين  كان لهم هذه المرة دور مؤثر في موازين القوى مشيراً إلى أنهم قاتلوا جنباً إلى جنب مع القوات الحكومية، وعندما لمسوا أن الجيش يخوض حرباً حقيقية ضد هذه الجماعة بادروا إلى الانخراط في المعارك عبر ما عرف باللجان الشعبية خاصة في لودر في محافظة "شبوة " وزاد من حماسهم لمحاربة انصار الشريعة خشيتهم من أن يلاقوا المصير ذاته الذي لقيه سكان مدينتي  جعار وزنجبار في محافظة "أبين" الذين شردوا ونزحوا من مساكنهم، وبحكم معرفتهم الدقيقة بالطبيعة الجغرافية والتضاريسية لمناطقهم فقد كان لهم تأثير واضح في مجرى المعارك وأطلقوا تحذيرات شديدة اللهجة لعناصر القاعدة تطالبهم لأول مرة بإخلاء مناطقهم ومغادرتها ما لم، فإن السكان سيهبون جميعاً لقتالهم".

 ويرى الخبير الأمني والعسكري العقيد عبد الحكيم القحفة أن ما حصل في أبين لا يقاس عليه لأن هذه الجماعات على حد تعبيره كانت قد  تحولت من تكتيكاتها المعروفة إلى إقامة دولة عبر ما أسمته بالإمارات الإسلامية، وتعقد لها المؤتمرات الصحفية وتصدر البيانات وتقضي وتحكم بين الناس، وبالتالي كان من اللازم أن توجه القوات الحكومية لإجلائها عن تلك المناطق التي أعلنت فيها تلك الإمارات، لكن هذا لا يعني بأي حال القضاء النهائي على هذه العناصر لأنها ستعود إلى تكتيكاتها المعروفة كالعمليات الانتحارية والهجمات على المنشئات الحكومية  والأجنبية وقد بدأ ذلك من خلال العمليات التي نفذتها مؤخراً ضد المنشئات الأمنية واغتيالات قادة الجيش والأمن.

 نتائج سياسية ايجابية

على الرغم مما يحيط بهذا الملف من غموض والتباسات أمنية وعسكرية يرى مراقبون ومحللون أن دحر القاعدة عن معاقل نفوذها سيكون له نتائج سياسية إيجابية، لاسيما لجهة انجاح العملية السياسية ويرون أنها عززت الثقة بقدرة الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي  على مسك زمام المبادرة في البلاد والذي كان قد انفلت جراء الاضطرابات التي تشهدها اليمن، ومبعث تلك الثقة اخضاعه الجيش المنقسم لقيادة موحدة تتبع وزارة الدفاع اليمني وإسناد القيادة الميدانية إلى قادة عسكريين محترفين شغلت مواقعها  بالتدرج المهني والخبرة الطويلة بدلاً من القيادات التي قفزت إلى مواقعها القيادية بالاعتماد على الولاءات الشخصية والعلاقات القرابية العشائرية والأسرية.

فلأول مرة منذ انقسام الجيش اليمني في مارس من العام الماضي  بين موال لنظام صالح  وآخر موال لقائد الفرقة الأولى مدرع على محسن الأحمر المنظم  للثورة الشعبية يخوض الطرفان المواجهات تحت قيادة موحدة يقودها وزير الدفاع  اليمني وبتوجيهات من الرئيس هادي، ما اعاد لوزارة الدفاع  اليمنية فاعليتها بعد عقود طويلة من التهميش والغياب عن تسيير الشؤون الحربية والعسكرية جراء هيمنة ونفوذ القيادات العسكرية العشائرية والأسرية  داخل مؤسسة الجيش التي تكرست في العقود الثلاثة الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع صالح.

الانتصارات على القاعدة، عززت ثانيا الشكوك السابقة التي راجت حول تهاون وتواطؤ بعض قادة الجيش في مواجهة تنظيم القاعدة. ثالثاً حفزت الأصوات المطالبة بإنها انقسام الجيش وإعادة هيكلته على أسس وطنية وفقاً لما جاء في المبادرة الخليجية بشأن  هذه المسألة على تصعيد مطالبها الداعية إلى توحيد الجيش والداعية إلى رحيل أقرباء صالح والموالين له الذين مازالوا على رأس  قيادة أهم وحدات الجيش والأمن.

رسائل سياسية قوية

رابعاً: توجيه رسائل قوية إلى الاطراف الاخرى، وقد بدا ذلك بفتح الشوارع المغلقة في محافظة عدن منذ عامين بالقوة من قبل عناصر الحراك الجنوبي وسحب قوات عسكرية من مناطق أرحب ونهم شمال العاصمة  تابعة للحرس الجمهوري الذي يقوده نجل الرئيس السابق.

على الرغم من النتائج اللافتة لدحر القاعدة من مناطق نفوذها وما له من تأثيرات سياسية قلل الخبير العسكري القحفة من تأثيره في إضعاف القاعدة مشيراً إلى أن هذه الجماعة تتحرك ضمن عملية أمنية مدروسة تديرها أطراف استخباراتية إقليمية ودولية الهدف منها كما يقول "استنزاف قدرات الجيش اليمني وتدمير ما تبقى من آلياته ومعداته" لأن الجيش اليمني - على حد تعبيره - ليس مؤهل لا من حيث التدريب ولا التسليح ولا الإمكانات  لخوض حرب من هذا النوع ضد هذه الجماعات موضحاً أن القوات العسكرية وانتقالها وانتشارها واستمرار تواجدها في عين المكان تتطلب تكاليف باهظة تفوق  قدرات بلد كاليمن.

وويضيف "قوى خارجية كأميركا لها مصالحها في المنطقة تجد في هذا الوضع  ضالتها للتدخل والتواجد تحت مسمى محاربة الإرهاب، ولذلك فإن تحدي هذه الجماعات سيبقى قائماً طالما أنها تؤدي دوراً وظيفياً لصالح أطراف إقليمية ودولية في ظل قوى وطنية ومحلية منهكة ومشلولة، ما يوفر ظروفاً مواتية لاستئناف القاعدة لأنشطتها الإرهابية".

والخلاصة أن التقدم على الجبهة العسكرية إن كان من شأنه أن يترجم إلى تقدم على الجبهة السياسية وبما يؤدي إلى إنجاح العملية السياسية المتعثرة، إلا أن تحقيق ذلك يتوقف على عدم استئناف القاعدة لعملياتها، واستثمار ذلك الانتصار من أجل وضع حد لتشتت موازين القوى بين طرفي المؤسسة العسكرية المنقسمة وانهاء التنازع بين الشرعية الدستورية والسياسية التي يمثلها الرئيس الانتقالي المنتخب شعبياً وبين احتكار القوة غير المشروع من قبل الأطراف المسيطرة على المؤسسة العسكرية، ووضع حد للجماعات المسلحة غير النظامية التي تزايدت بشكل ملحوظ منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية مطلع العام الجاري.(سويس انفو)
شارك على جوجل بلس

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق