الرباط - عبد الله الطايع كاتب روائي مغربي مقيم في
مدريد وحائز على جائزة "فور" الأدبية الفرنسية المرموقة، أشهر عبر فيديو
بُث على يوتوب أنه مثليٌ جنسيا وأنه لا يعتبر ذلك متعارضا مع دينه الإسلامي. وبدوره
كشف هشام نزار المذيع التلفزيوني المغربي عن كونه مثليٌ جنسيا في مقابلة مع صحيفة"ليبراسيون"
الفرنسية.
المتتبعون
للجدل حول قضية المثليين في المغرب، يرون ان إعلان مثقفين وإعلاميين بارزين عن
هوياتهم الجنسية، يخرج هذا الموضوع من خانة التابوهات(المحرمات) في المجتمع
المغربي، وكذا خروجا عن الفضاء الافتراضي الذي ظل حبيسا فيه خلال السنوات القليلة
الماضية.
وعلى صفحاتها، تفتح مجلة"أصوات" الإلكترونية
الناطقة باسم المثليين جنسيا في المغرب، موقعها وصفحتها على فيسبوك، لحوارات
شبابية ملتهبة حول "ضرورة الخروج عن الصمت"، ومناقشة قضية المثليين
وحقوقهم في العلن، كما تناقش باقي القضايا الحقوقية.
لكن خديجة
رياضي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الانسان ترى ان موضوع المثليين جنسيا ما يزال
ضمن تابوهات المجتمع المغربي.
وتؤكد
رياضي أنها"مع حرية التعبير والمساواة وأن لكل شخص الحق في الإدلاء بآرائه
بشكل حضاري وسلمي".
بينما يرى
الإعلامي المغربي نور الدين بنمالك ان "المثليين موجودون في المجتمع المغربي،
وكذلك في سائر المجتمعات العربية والإسلامية، وهذه ظاهرة تاريخية لا يمكن انكارها،
ولكن الموضوع يتم النفخ فيه من أوساط معينة في هذه الفترة" بينما يواجه
المغرب تحديات سياسية واجتماعية مختلفة، تتطلب تركيزا على أولويات مثل العدالة
الاجتماعية والحريات السياسية والديمقراطية.
المثليُون
هل هم فئة مضطهدة؟
النقاش
الذي يدور بين مئات الشبان من مستخدمي الانترنت، والفضاءات التفاعلية وخصوصا في
فيسبوك، يسلط الضوء على بعض خلفيات الشبان الذين يعلنون عن هوياتهم الجنسية
كمثليين، وتتضارب اتجاهات الآراء وردود الفعل داخل المجتمع المغربي حول الموضوع.
فعماد،
الشاب المغربي في عقده الثاني، لم يكن يعلم أن الأقدار ستحوِله إلى شخص منبوذ في
مجتمعه حيث يتحمل يوميا إهانات ونظرات إهانة من الناس بسبب مثليته الجنسية، مالك
صديق عماد الوحيد يروي كيف تحول من شاب نشيط ومقبل على الحياة إلى شخص منعزل
يتفادى الاحتكاك بالآخرين.
القصة بدأت
عندما تعرض عماد في سن المراهقة لاعتداء جنسي من طرف شخص مجهول، وبدل أن يبلغ عماد
عن ما حصل معه التزم الصمت و"احتفظ بالفضيحة لنفسه فقط" ولم تعلم أسرته
عما حصل معه سوى بعد فوات الأوان كما يقول صديقه.
وانطوى
عماد على نفسه بعدها وصار يتحاشى الناس لكن بعد ذلك بدأ يميل لجنس الرجال، حتى
صارت تربطه علاقات ببعضهم.
يقول مالك
بحسرة بالغة "هو يكره نفسه لأنه يفعل ذلك لكن يكره أكثر الشخص الذي تسبب في
تغيير حياته ويتمنى لو توفي في نفس يوم الحادثة".
ويعترف
مالك أنه يجد نفسه ممزقا إزاء هذا الوضع "أنا في وضع صعب فأسرتي تقرِعني لأني
أرافق مثليا، وتعتقد أني سأصير مثله أو أن سمعتي ستتضرر، وفي نفس الوقت هو صديق
عمري ولا يمكنني التخلي عنه".
وتتداول
مواقع الانترنت قصصا مثيرة ومريرة أحيانا عن الظروف الصعبة التي يواجهها المثليون
جنسيا، نتيجة النظرة السائدة عنهم في المجتمع.
وبرأي
الناشطة الحقوقية خديجة رياضي فإن موضوع المثليين في المغرب مازال في عداد
المحرمات رغم أن بعض الصحف والمواقع الإلكترونية تتحدث عنه، لكن النقاش حوله مازال
ضعيفا وليس كالنقاش الذي يدور حول مواضيع أخرى.
وتعزو
رياضي ذلك، إلى "استمرار نفس القوانين ونفس العقليات، وغياب جهود من الدولة
أو المجتمع المدني لفتح النقاش دون خلفيات وأفكار مسبقة وحتى بعض المواقع
الإلكترونية التي تناولت الموضوع تمت مهاجمتها أو قرصنتها".
وبرأي
الاعلامي نور الدين بنمالك فإن نظرة المجتمع المغربي إزاء المثليين جنسيا، تتراوح
بين "التسامح والإهانة".
تسامح محدود
في شهر
مارس الماضي أطلق موقع "مجلة أصوات" المعبرة عن المثليين جنسيا، واعتبر
منتقدوها ان ظهورها يتزامن مع تولي الإسلاميين للحكومة، ومحاولة لإثارة قضايا
حسَاسة بهدف إحراج حكومة عبد الإله بن كيران.
ويلاحظ
الاعلامي نور الدين بنمالك أن ظهور مبادرات من قبيل جمعية "كيف كيف" التي
تنادي بالاعتراف بحقوق المثليين ثم صدور مجلة "أصوات" وإعلان كتاب
وشخصيات معروفة عن هوياتها الجنسية المثلية، لا تبدو برأيه "مبادرات حرة
نابعة من صميم المجتمع المغربي" بقدر ما تقف وراءها آلة إعلامية وسياسية خفية
- لا يسميها-، مشيرا في هذا السياق إلى أن أغلب هذه الشخصيات التي تعلن عن هويتها
الجنسية تعيش في الخارج سواء في فرنسا أو إسبانيا.
وفي
مناسبتين سابقتين، أظهرت السلطات المغربية عدم تسامح إزاء تظاهرات حاول مثليُون
تنظيمها في البلاد، فقد تعرض شابان مثليان أشهرا زواجهما في مدينة القصر الكبير
شمال المغرب سنة 2007، لردود فعل غاضبة في المدينة وحث الإسلاميون سكان المدينة
على الخروج في مظاهرات صاخبة.
وإثر ذلك، أدان القضاء صحيفة"المساء" المغربية
اليومية الواسعة الانتشار بـتهمة "افتعال أحداث وتأجيج" غضب المواطنين،
وحكم على الصحيفة بغرامة مالية قميتها ستة ملايين درهم مغربي (اليورو يعادل 11
درهم مغربي).
كما منعت
السلطات المغربية، مؤتمرا دوليا دعت إليه جمعية"كيف كيف" المغربية
وشركاء لها من أوروبا، وكان المؤتمر سيعقد في نهاية سنة 2008 ويهدف لمناقشة حقوق
المثليين جنسيا.
وردا على
سؤال حول تعامل السلطات المغربية مع موضوع المثليين، تقول رئيسة الجمعية المغربية
لحقوق الانسان، إنه تعامل بـ"تسامح محدود" فلا هو حصار تام عندما تعبر
هذه الفئة عن نفسها، ولكنها (فئة المثليين) تبقى على الهامش وعندما تخرج للمطالبة
بحقوقها تُهاجم من طرف الناس والمجتمع.
خجل
المجتمع المدني
وترى
الناشطة الحقوقية المغربية أن المجتمع المدني مقصِر، فهو "لا يبذل جهودا
كبيرة" وتعزو ذلك لعدة أسباب "منها أنه يتعرض أيضا لضغوط كبيرة عندما
يناقش هذا الموضوع، وهو أصلا موضوع لا يطرح كأولوية بالنسبة لهاته الجمعيات كما أن
مجرد التطرق لهاته المواضيع يعرضها للهجوم والإساءة للسمعة وبأساليب غير أخلاقية
وحملات إعلامية بعيدة عن النقاش السليم".
وبرأي
الناشطة خديجة الرويسي رئيسة جمعية "بيت الحكمة" فإن حقوق المثليين
جنسيا تتطلب نقاشا جديا في المجتمع المغربي، وإزاحة الطابع "المحرم" عليه.
فقد هاجم بعض رجال الدين، مثل الشيخ المتشدد عبد الله نهاري، صدور "مجلة
أصوات" ووصفوا مطالب المثليين جنسيا بالاعتراف بحقوقهم بكونها "شذوذا".
وبخصوص
فكرة تعارض الأمر مع الدين الإسلامي وتقاليد المغاربة، تؤكد خديجة رياضي"أنا
مع حقوق الإنسان ومرجعيتنا هي كونية هذه الحقوق وإذا كان الإنسان يضطهد لأنه مثلي
فأنا ضد ذلك، أما مسألة الدين هنا ففيها نقاش".
وتُطلق
عبارة "الشذوذ" في القاموس الاجتماعي المغربي على المثليين جنسيا، ولا
تخلو النصوص القانونية من هذا الوصف، اذ ينص القانون الجنائي المغربي في مادته 489
على عقوبة ضد "الشذوذ" باعتباره انتهاكا للآداب العامة.
و"يعاقب من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة
من 200 إلى 1000 درهم مغربي من ارتكب فعلا من أفعال الشذوذ الجنسي مع شخص من جنسه".(دويتشه
فيلله)
0 التعليقات :
إرسال تعليق