بقلم: حبيب طرابلسي
لجأ عدد من
الشباب في السعودية إلى طريقة طريفة للاحتجاج على تعثُّر مئات المشاريع الحكومية
وذلك باقتحام منشآتها ومبانيها المهجورة وكتابة شعارات ساخرة على جدرانها تنسب
فشلها إلى "الجنّ".
وتقدّر
خسائر المشاريع المتعثرة بمليارات الريالات وأصبحت مبانيها مرتعاً للفئران وملاذاً
للمجرمين أو كما تقول الرواية الشعبية "أوكاراً للجن والعفاريت والأشباح".
وأثار
اقتحام مجاميع الشباب مثل هذه الأماكن جدلاً اجتماعياً واسعاً حول الأسباب التي
دعتهم إلى هذا السلوك "الرعواني والهمجي والمشين" وفقاً لنعوت عدد من
الكتَّاب، وأيده آخرون بوصفه أفضل طريقة للاحتجاج على الفساد والإهمال واللامبالاة.
الشرارة
الأولى
اختار
الشباب مستشفى عرقة شرق الرياض ليكون شرارة الانطلاق لـ"غزواتهم المباركة".
فالمستشفى بلغت تكلفته نصف مليار ريال وتعاقب عليه ثلاثة وزراء صحة ولكنه مهجور
لكونه، كما يُشاع، "مسكوناً بالجن".
وانطلق
الشباب للبحث عن هذا الجن ومحاصرته وطرده حتى يستفيد الأهالي من المستشفى، كما جاء
في بعض من آلاف الرسائل الالكترونية التي نُشرت عبر تويتر وفيسبوك وبلاك بيري قبل
أن يعلنوا التحرّك والتجمّع والتمرّد. واقتحم مئات منهم مبنى المستشفى وعاثوا فيه
فساداً. فاعتدوا على مكوناته وأضرموا في بعضها النار قبل أن تسيطر الأجهزة الأمنية
على الوضع.
وانتشرت
عشرات المقاطع عبر موقع يوتيوب تظهر شباناً يتجولون داخل مستشفى مستخدمين أجهزة
إضاءة وكاميرات تصوير وقد ارتدى بعضهم أقنعة بينما قام آخرون بإشعال حريق في جزء
من المبنى.
يتكون
المستشفى من ثمانية طوابق ووحدات سكنية استضافت إلى الآن ولفترة محدودة عائلات
كويتية أيام حرب الخليج ولم يستفد منه الأهالي ولم تترك أرضه لإقامة مشاريع أخرى،
مع صمت مطبق من الجهات الرسمية.
وتقول
وزارة الصحة أن المشكلة التي حالت دون تشغيل المستشفى تعود إلى خلاف بين ورثة رجل
أعمال قدم الأرض منحة للوزارة قبل وفاته منذ أكثر من عشر سنوات دون أن يسجل لدى
الجهات المعنية تبرعه، إلا أن الورثة طالبوا بتحصيل قيمة المبنى والأرض التي شُيّد
عليها.
ولم تلبث
هذه "الغزوة" أن ألهمت الآلاف من الشباب في كثير من المدن؛ ففي أبها دخل
الشباب إلى مبنى مهجور قيل أنه "وكر للجن" وفي حفر الباطن وفي بُريدة
وفي الخُبر وعنيزة وخميس مشيط وحيثما سكن الجن.
ظاهرة "معيبة"
فقد أصبحت
مشكلة المباني المهجورة والمنشآت الحكومية المتعثرة تشكّل "ظاهرة"،
باعتراف بعض المسؤولين.
وكان
الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، قال مؤخراً إن "وجود مشاريع
متعثرة لدينا أمر معيب".
وأضاف
الأمير خالد خلال ملتقى إدارة المشاريع المتعثرة في منطقة مكة قائلا "هناك
مليارات الريالات تصرف يوميا ومئات المشاريع تحت التنفيذ، وهناك مهندسون لا
يجدون لهم عملا وهذه الأمور لم تعد تقبل لأن هناك خللاً".
وقيل خلال
المؤتمر أن الحجم الإجمالي للمشاريع الحكومية المتعثرة بلغ خلال الأعوام الثلاثة
الماضية حوالي ترليون ريال.
وستجتمع
السبت "لجنة المباني الآيلة للسقوط" لتقرر إغلاق مبنى جمعية الثقافة
الفنون بالمدينة المنورة من عدمه. وكان سكرتيرعام الجمعية بالمدينة أمين محمد بوق
قد لقي مصرعه الأربعاء تحت أنقاض سور الجمعية المتهالك والذي تجاوز عمره نصف قرن،
بسبب الإهمال.
مواجهة
الإنس من خلال الجن
وما زالت
الصحف المحلية تتناول "غزوات الجن" بالنقد والتحليل. وتحدث العديد من
أشهر الكتاب عن هذا التحرّك الغير المسبوق في بلد لا يستهوي شعبه التمرّد.
فتحدث يوسف
الكويليت في صحيفة الرياض عن "انغلاق عقلي وفكري وتلاعب بالعقول" وعن "ثقافة
الخرافة وثقافة الجن الرائجة في السعودية". وروى الكويليت قصة دلال عقار نشر
إشاعة عن بيت مهجور تخرج منه أصوات مجهولة ثم اشترى المنزل نفسه وادعى بأنه طرد
الجن بواسطة قارئ للقرآن الكريم".
وقالت
حليمة مظفر في صحيفة الوطن بأن "تمرد الشباب ليس على الجن وثقافة التدليس به
بل على واقعهم المرير والفراغ الثقافي القاتل الذي يجرهم إلى الاستراحات أو إلى
اللف والدوران في الشوارع دون عنوان".
وعلّق محمد
العصيمي في صحيفة اليوم ساخرا من "شباب أعدوا للجن ما استطاعوا من قوة ومن
رباط الخيل ليداهموهم ويفرغوا في مظانهم المزعومة شحنات الفراغ القاتل". وسخر
من "أمة اشتد ضحك الأمم الأخرى من جهلها الفاضح .. حين يطارد شبابها الجن
ويمتطون ظهور العفاريت، أمة ابتليت بالانشغال بالصغائر وتقزمت حتى لم تعد تُرى
ولا يُسمع صوتها".
أما يحيى
الأمير، فقد وعد بالكشف، بعد التأكد من أن "صالة كبرى للمسافرين في واحد من
أكبر المطارات في المملكة لا تزال مغلقة وغير مستخدمة منذ عشرات السنين، ويتهامس
الموظفون هناك بما يسمونه السبب الحقيقي لذلك.. وهو أن الصالة مسكونة بالجن".
وتساءل علي
سعد الموسى في صحيفة الوطن "كيف تسكن الجن في مشاريع الحكومة؟". وأجاب "لا
توجد في مسألة مستشفى عرقة المهجور منذ 26 عاماً حكاية للجن ولا يحزنون أو يفرحون.
المسألة بكل بساطة أن هذا المستشفى مثله مثل عشرات المستشفيات التي شيد عمادها في
العقود الأخيرة ولم تستطع الوزارة إكمال التأثيث وتأمين الكوادر".
وأضاف
الموسى "لو أن الجن تسكن في كل مشروع متعثر (...) لكنّا اليوم بمثابة الهند
أو الصين في عدد السكان الملياري من الجن وأعظم كثافة سكانية لإخوتنا من الجن في
آلاف العمائر والكباري والأنفاق المهجورة أو المتعثرة".
وعلّق حسن
الحارثي في صحيفة الشرق بالقول أن "الشباب الذين يطلبون مواجهة الجن هم في حقيقة
الأمر وجدوا أن أفضل طريقة لمواجهة الإنس تكون من خلال الجن...وإذا لم تتحرك
الجهات المعنية لإزالة المباني المهجورة أو'المسكونة بالجن'، فإن الشباب
سيواصلون غزواتهم".(ميدل إيست أونلاين)
0 التعليقات :
إرسال تعليق