واشنطن "تحذر" موسكو: التخلي عن دعم النظام السوري أو انتظار الحرب الأهلية




بقلم: محمد ماضي

بعد عجز المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة عن التحرك بحزم ضدّ النظام السوري، حتى بعد مذبحة الحُولة، بدأت التساؤلات تطفُـو من جديد حول حقيقة الخيارات الممكنة أمام واشنطن في التعامل مع الأزمة السورية، في ظل وقوف روسيا والصين حجَـر عثرة أمام اتِّخاذ أي قرار ضد نظام الرئيس بشار الأسد في مجلس الأمن الدولي.

ويقول إدوارد غيريغيان (السفير الأميركي السابق لدى سوريا) "أعتقد أن الولايات المتحدة تركز بشكل صحيح على تحقيق أكبر قدر من التوافق الدولي حول كيفية التعامل مع النظام السوري، وستواصل مساندتها القوية لخطّة كوفي أنان والإصرار على ضرورة تنفيذ نِقاطها السِـت، لأنه لو تم وقف فِعلي لإطلاق النار وسحب حقيقي للقوات السورية وآلياتها الثقيلة من المراكز السكانية، وتم السماح بالوصول الحُـر للمساعدات الإنسانية، سيُـمكن توفير الأجواء المواتية لبدء حوار سياسي بين الحكومة والمعارضة حول نقل السلطة".

ويقول إن ما يحول دون ذلك، هو مساندة روسيا للرئيس بشار الأسد بشكلٍ أرْسى لديه قناعة بأنه ليس بحاجة إلى تقديم أي تنازلات أو التعامل بفاعلية مع المعارضة السورية، سواء في الداخل أو في الخارج. "لذلك، ستركز إدارة الرئيس أوباما في الأسابيع القادمة على التوصّل إلى أكبر قدْر من التوافق الدولي على موقف مُـوحّـد، إزاء ما يتعيّن على المجتمع الدولي عمله في مواجهة الوضع السوري المُـتدهْـور".

ولكن خطة أنان تبدو بالِـغة الهشاشة، ولم يتم الالتزام بأي من بنودها السِـتة ولا يُـبدي الروس أي بادِرة للتعاون مع الولايات المتحدة في توفير بديل آخر أكثر كفاءة.

 يقول غيريغيان "هذا صحيح، ولذلك، فإن المهمة العاجلة أمام الدبلوماسية الأمريكية، هو العمل مع الدول الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن، لحث روسيا بالذات على انتهاج مواقِـف أكثر حزما باتِّجاه حلٍّ سِـلمي للأزمة السورية، وليس بدفعها نحو الحرب الأهلية".

وحول إقناع روسيا بالانضمام إلى توافُـق دولي حول ما يتعيَّـن عمله يرى غيريغيان أنه بات يتعيَّـن على روسيا أن تنظر بعُـمق أكثر إلى تأثير سياستها في التساهل مع أخطاء نظام الأسد، لتُـدرِك صحة كلام السيدة كلينتون (حول مساهة روسيا بدفع سوريا للحرب الأهلية)، حيث ستُـسهم تلك السياسة في نهاية المطاف في اندلاع حرب أهلية، بل وطائفية في سوريا.

ويضيف "إذا نظرت روسيا بمنظور استراتيجي، ستُـدرك أن مصالِـحها في المنطقة ستتأثَّـر سلْـبا بسبب تلك السياسة، حيث أنه ليس من مصلحة أي طرف خارج سوريا أن يرى الوضع ينزلِـق نحو حرب أهلية وعُـنف طائفي، لأن ذلك ستكون له آثار واسعة النِّـطاق على استقرار المنطقة ككل، نظرا للوضع الجغرافي السياسي البالِـغ الأهمية، الذي تتميز به سوريا".

ويؤكد أن شيوع القلاقل والفوضى في سوريا، سيَـطال بتأثيراته السلبية كلاًّ من لبنان والعراق والأردن وتركيا وإسرائيل، و"لذلك، يجب أن تعيد روسيا حساباتها الإستراتيجية لتُـدرك أنه ليس من مصلحتها أن تكون هناك مِنطقة تشيع فيها الفوضى وعدم الاستقرار جنوب الاتحاد الروسي".

ولكن، لماذا لم تلجأ الولايات المتحدة للسيناريو الليبي لحماية المدنيين، بعد ارتكاب مذبحة الحولة؟

يجيب غيريغيان "لأن الوضع في ليبيا كان مختلفا تماما عن الوضع في سوريا. أولا: في الحالة الليبية، تمكنت المعارضة الليبية من السيطرة على مساحات كبيرة من الأرض، بدءا من بنغازي وتحرّكت غربا لاكتساب المزيد من الأرض، وهو ما لم يتوفر للمعارضة السورية.

ثانيا: النظام السوري ليس هشّـا مثل نظام القذافي. فهو نظام محكم البناء، على قمّـته طائفة العلويين التي تحتلّ أكبر المناصب، السياسية والعسكرية، وتمسك بزِمام أجهزة الأمن والمخابرات وتحظى بمساندة وتأييد صفْـوة من رجال الأعمال السوريين، في مقابل معارضة سورية منقسِـمة عجزت عن السيطرة على مناطق بعيْـنها أو امتلاك وسائل عسكرية قادِرة على مواجهة الجيش السوري النظامي المزوَّد بدفاعات جوية متقدِّمة.

ثالثا: لم يكن لليبيا تلك الأهمية الجغرافية السياسية، التي يمكن لاستخدام الخيار العسكري فيها أن يؤثر سلْـبا على استقرار المنطقة، كما هو الحال في السيناريو الخاص بسوريا".

وحول فكرة إقامة مناطق آمنة على الحدود السورية مع كل من تركيا والأردن
يقول غيريغيان "ينطبِـق على هذا الطرح تعبير 'الحديث أسهَـل بكثير من التطبيق'، لأنه حتى تتمم إقامة مثل تلك المناطق الآمنة، سيتعين استخدام القوة المسلحة، وليس مجرّد نشْـر متطوِّعين من الصليب الأحمر الدولي أو الهلال الأحمر على الحدود. فإذا لم يوافق النظام السوري على ذلك الانتشار، سيتعيَّـن فرْض إقامة تلك المناطق الآمنة، باستخدام وسائل عسكرية، وسيكون ذلك إيذانا ببدْء عمليات عسكرية واحتمال الدخول في حرب".
لكن ثمة بديل آخر طفا على السطح في الآونة الأخيرة، يقوم على أساس الشُّـروع في بذل جهود دبلوماسية لإقناع روسيا بممارسة ضغوط على حليفها بشار الأسد، لقبول ما أصبح يُـعرف "بالنموذج اليمني"، الذي ينطوي على خروج آمن للرئيس من السلطة وتسليمها إلى حكومة انتِقالية، تتألف من بعض أعضاء حكومة الأسد وشخصيات من المعارضة.

يقول غيريغيان "لا أستبعد مثل هذا الخيار في الحالة السورية، ولكني أنبِّـه لوجود فوارق بين النموذج الذي تمّ إتباعه لتسوية الأزمة اليمنية، وبين الحالة السورية. فبينما كان هناك قبول شعبي لنائب الرئيس اليمني ليكون المحاور الوسيط لإتمام عملية نقل السلطة، فإنه عندما تم تعيين فاروق الشرع، أحد نواب الرئيس السوري، للقيام بنفس الدور، لم يُكتب له القبول أو النجاح".

ويضيف "الأهم من ذلك، هو أنه من الصعب بمكان معرفة ما الذي يدور برأس الأسد، بل إن أحدا لا يستطيع التأكد من أنه يرغَـب بالفعل في نقل صلاحيات كبيرة إلى مُـحاور وسيط، كنائبه، للتفاوض من أجل نقْـل السلطة بشكل سِـلمي، أم أنه يرغب في أن يُـشرف بنفسه على الحوار السياسي مع المعارضة من البداية إلى النهاية، بل إن أحدا لا يعرف على وجه اليقين ما إذا كان الأسد راغبا أصلا في نقل السلطة وإنهاء حكمه لسوريا".

ويفسر البعض التردّد الأميركي في العمل بحزم للخلاص من حُـكم الأسد على أنه تخوّف من أن يكون البديل استيلاء الإسلاميين على السلطة في سوريا.

ويقول غيريغيان "هذا تفسير لا أساس له من الصحة على الإطلاق، ولا أعتقد أن للولايات المتحدة أجَـندة مُـختلفة تفضِّـل من خلالها بقاء بشار الأسد خِـشية من استيلاء الإخوان المسلمين مثلا على الحكم في سوريا، وأكبر دليل على عدم صحة ذلك التفسير، هو أن الربيع العربي في تونس ومصر، أسفَـر عن انتخابات حُـرة أتت بأغلبية من الإسلاميين وبأحزاب إسلامية قادِرة على التعايُـش مع أحزاب أخرى، علمانية وليبرالية، ولم تفضل واشنطن في الحالتيْـن بقاء مبارك أو بن علي، خوفا من أغلبية للإسلاميين في البرلمان أو وصولهم لسدّة الرئاسة".

وحول السيناريو المتوقع في ظل الأزمة المتفاقِـمة في سوريا يقول غيريغيان "أشعُـر بقلق عميق، وأعتقد أن ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، صحيح تماما حين وصف الوضع بعد مذبحة الحولة، بأنه وصل إلى نقطة فاصلة. فإذا استمرت الأحداث الإنسانية الكارثية على النَّـسق الذي رأيناه في الأسبوع الماضي، سينزلق الموقف إلى وضع خارج تماما عن السيطرة يتعيَّـن على كل الأطراف العمل على تجنبه".

ويدعو الولايات المتحدة خلال الأسابيع القادمة لاستخدام كل "عضلاتها الدبلوماسية"، بالتعاون مع القوى الدولية الأخرى، لإقناع روسيا باتخاذ موقِف يتّـسم بالمسؤولية إزاء ما يحدُث في سوريا، والمساعدة في العمل على نقل سِلمي للسلطة، "حيث أن كل أسبوع سيمُـر دون تحقيق ذلك، سيُـسفِـر عن مزيد من المآسي واستمرار إزهاق أرواح المدنيين الأبرياء، مما سيدفع بسوريا إلى حرب أهلية".(سويس انفو)
شارك على جوجل بلس

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق