نادلات مقاهي بغداد: لسنا بائعات هوى




بغداد - على غرار المقاهي الحديثة في تركيا وسوريا والأردن، لم يعد غريباً خلال السنوات القليلة الماضية رؤية الشابات وهن يعملن في بعض مقاهي العاصمة العراقية، تلك المقاهي التي تحاكي الطراز الغربي ويفتح بعضها أبوابه حتى ساعة متأخرة.

يحرص أصحاب المقاهي الحديثة على توظيف الشابات من ذوات المظهر الجميل لخدمة روادها في تقديم طلباتهم من النركيلة والعصائر والمشروبات الغازية وغيرها. لكن الملفت أيضاً أن هذه المقاهي لم يعد روادها يقتصرون على الرجال فقط، وإنما أصبحت اليوم ملاذاً للعائلات العراقية عامة.

الشابة حنين قاسم رشيد دفعها فقر الحال وفقدان المعيل إلى الالتحاق بشقيقتها التي تكبرها بثلاثة أعوام للعمل في مقهى (شيشة كافيه) في منطقة الكرادة بقلب العاصمة بغداد.

وتزاول حنين عملها ليس كسائر نظيراتها الأخريات في المقاهي الاعتيادية، إذ يبدأ عملها عند غروب الشمس وتنهيه بعد منتصف الليل.

"لسنا بائعات هوى"

حنين ذات الـ21 ربيعاً، التي فضلت للوهلة الأولى عدم الحديث عن سبب التحاقها للعمل في المقهى الليلي، قررت وبعد صمت طويل ساده الحزن الحديث "قُتل والدي لدوافع طائفية في بغداد عام 2007. وفقدنا المعيل الذي يتكفل بنفقات عائلتي المكونة من أربعة أفراد. أختي الكبرى أخذت على عاتقها إعالتنا جميعاً".

وتواصل الكلام "اضطررت منذ نحو عامين على العمل معها (أختي) في هذا المقهى. من أجل المساهمة في مصاريف عائلتنا".

وتضيف بنظرات خالية من الأمل وهي تمعن النظر في شقيقتها أثناء تلبية طلب من زبائن اتخذوا مكانهم عند إحدى طاولات المقهى "لا نعرف عملاً آخر. نريد البقاء هنا لأننا نجني مالاً كافياً".

وبعد أن تتقدم حنين بثيابها الأنيقة ووجهها الحسن بخطوات متناسقة لتقديم النركيلة لأحد زبائن المقهى، تستطرد حديثها متسائلة "لماذا يعتقد البعض أن الفتيات العاملات في المقاهي بائعات هوى؟".

وتوضح أنها تتعرض بين الحين والآخر إلى مضايقات عدة من قبل الزبائن الشباب.

مهنة لا تخلو من الصعاب

"عملي ليس عيباً"، بهذه العبارة بدأت زميلة حنين في المقهى وتدعى ندى يوسف عبد الله (19 عاماً) حديثها عن سبب اختيارها للعمل كمضيفة. وتبين أن "مجتمعنا الشرقي لا يزال يفسر الابتسامة والكلمة الطيبة إلى نوايا ورغبات سيئة (...). أجد صعوبة في العمل أحياناً كون أغلب زبائننا من الشباب".

وتسترسل بالقول "عرضت صديقتي علي العمل كمضيفة في أحد المقاهي الليلية ووافقت على العمل حينها. انتقلت إلى هذا المقهى قبل سنة تقريباً. أحصل هنا على أجر أكثر من سابقه". وتعمل ندى ثماني ساعات في المقهى يومياً.

قبل عملها هذا طرقت ندى، الحاصلة على الشهادة المتوسطة، أبواب مؤسسات حكومية عدة للحصول على عمل أو على راتب من برنامج الرعاية الاجتماعية يكفيها حاجتها، لكنها لم تنجح فالحكومة العراقية توفر أجوراً زهيدة جداً للعاطلين، "المبالغ لا تكفي لأجور النقل فقط".

وما دفع ندى إلى هذا العمل ظروفها الصعبة التي بدأت بطلاق والديها وأرغمتها فيما بعد على عدم مواصلة تعليمها والاتجاه للعمل بعد زواج والدتها من رجل آخر. "توفير لقمة العيش ليس هينا اليوم وسط غلاء المعيشة في العراق".

وتضيف "الآن تعودت على الرفاهية"، في إشارة إلى أجرها الجيد الذي تحصل عليه من عملها هنا، مقارنة مع رواتب موظفي الدولة.

"المضيفات وسيلة لجذب الزبائن"

هيثم رحيم كاظم، صاحب أحد المقاهي الليلية الحديثة في منطقة "عرصات الهندية" وسط بغداد، يحرص على اختيار الشابات للعمل كمضيفات في مقهاه، الذي أطلق عليه تسمية "فيسبوك" وصممه على غرار المقاهي الحديثة بعد زيارته للعاصمة التركية قبل أعوام.

ويعلل كاظم (26 عاماً) في حديثه سبب توظيفه الشابات عن الشباب إلى تجربته السابقة والتي تتمثل أيام افتتاح المقهى بكادر ذكوري.

ويضيف "قبل تشغيل الفتيات كان الإقبال على المقهى ضئيلاً جداً. الآن وبعد توظيف الشابات أصبح (المقهى) مليئا بالزبائن على خلفية المعاملة اللطيفة التي تبديها الفتيات أثناء أداء عملهن في المقهى"، جازماً بالقول إن"المضيفات هن وسيلة جذب للزبائن".

من جانبه يفضل باسم علي عبد الله، وهو موظف حكومي، ارتياد المقاهي الحديثة ذات الكادر النسائي مع أصدقائه مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع بحسب أوقات راحته من العمل، على مثيلاتها التقليدية "من أجل قضاء أوقات طيبة".

وعن سبب إقباله المتواصل إلى المقاهي الحديثة التي تعمل الفتيات فيها على تقديم الخدمة للزبائن، يوضح عبد الله (28 عاماً) أن "المقهى يقدم الخدمة الجيدة المصحوبة بالتعامل اللطيف من قبل المضيفات وهذا ما لا نجده في المقاهي التقليدية مطلقاً".

 ويستكمل حديثة بالقول "المقهى يعد متنفسي الوحيد. من خلال الاختلاط بين كلا الجنسين في ظل انعدام الأماكن الترفيهية"، مشيراً إلى أنه يشعر براحة كبيرة عند ارتياده لهذا المقاهي فهي "تنسيني هموم الحياة".

ظاهرة ايجابية؟

من جهتها تعلق أستاذة علم الاجتماع في الجامعة المستنصرية الدكتورة فوزية العطية على ظاهرة عمل الشابات في المقاهي بالقول: "تعتبر ظاهرة عمل الفتيات في المقاهي الليلية من الظواهر الايجابية لأنها مؤسسة ترفيهية ومتنفس تكمن أهميته في الجانب النفسي والاجتماعي، نتيجة الشعور بالحرمان وتراكم الإحباط من نقص الخدمات وغياب الأمان الاجتماعي".

وتضيف العطية أن ظاهرة عمل الفتيات في المقاهي والنوادي الليلية تعتبر من الظواهر القديمة التي عرفها المجتمع العراقي خلال ستينات القرن الماضي وسبعيناته.

بيد أن "الحروب والأزمات الاقتصادية التي مر بها الفرد العراقي ساهمت إلى حد كبير في تراجعها".(دويتشه فيلله)
شارك على جوجل بلس

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق