بقلم: حسان
القطب
مصطلح
الطابور الخامس والفريق الثالث والعناصر المندسة والمصطادين في الماء العكر
والأيدي والعناصر الخارجية، مصطلحات اعتدنا عليها إبان الحرب اللبنانية السيئة
الذكر، كما في سائر الحروب الأهلية.
وهذه
العبارات والمصطلحات تطلق بهدف التعمية ونفض اليد وتعتبر مخرجاً مقبولاً لدى البعض
يتمثل بتنفيذ سياسة الهروب إلى الأمام لأنها قد تشكل مخرجاً مؤقتاً لهم، ولكنها
بالتأكيد لا تحمي المدنيين والمواطنين العزل، ولا تعيد الضحايا لذويهم، ولا تعتبر
عقاباً أو تهديداً بالعقاب لمن ارتكب هذه الجرائم، كما لا تعتبر حلاً ولا توفر
خلاصاً، لا للفريق الذي يسعى لرفع المسؤولية عن نفسه وهو المتهم بارتكاب التقصير
والتسبب بالخراب وتعميم القتل وتوفير الغطاء للمجرم، كما لا تبرئ من المسؤولية من
يمنع المجتمع الدولي عن محاسبة من يمارس هذه العبث القاتل والخطير على الساحة
السورية ويهدد بنشره على الساحة العربية وبالتحديد في دول جوار سوريا.
مجزرة بلدة
الحولة السورية موصوفة وموثقة ولا يمكن تجاهل ضحاياها من أطفال ونساء وشيوخ وشباب،
لا يكفي استنكارها كما لا يمكن إنكار تداعياتها على الترابط الاجتماعي وخطورة
نتائجها على النسيج الوطني السوري وحتى على مستقبل سوريا، وعلى من ارتكبها من
أدوات النظام السوري، لأنه كان يدرك بوعي كامل حقيقة وأهداف ما ارتكبه.
ومع ذلك
يطل علينا نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة ألكسندر بانكين ليقول "إنه
من الصعب تخيل أن تقوم الحكومة السورية ليس فقط بالقصف، وإنما أيضاً إطلاق النار
عن مسافات قريبة على أكثر من 40 امرأة، وأكثر من 30 طفلاً دون سن العاشرة، مشيراً
إلى أنه لا يتحدث عن مقاتلين، وتلك تحديداً هي الفظائع التي يجب التحقيق فيها. وأكد
بانكين على وجود طرف ثالث أو قوة ثالثة، أو قوى خارجية، تسعى للتدخل العسكري، مشيراً
إلى وجود حاجة للمزيد من التحقيقات ذات المصداقية".
لم يستطع
مندوب روسيا تجاهل المجزرة، فهرول مستخدماً سياسة الهروب إلى الأمام فذهب بعيداً
في المطالبة بضرورة إجراء تحقيق ذا مصداقية، متناسياً أن دولته قد وافقت على بعثة
المندوبين الدوليين إلى سوريا.
وهنا نسأل:
إذن لماذا إجراء تحقيق جديد؟ وكيف وما هي شروط ومواصفات المصداقية التي قد تستند
إليها روسيا لتقتنع بوحشية ما جرى؟
هذا الطلب
ما هو إلا تهرب من المسؤولية ومن إطلاق عملية دولية تهدف إلى معاقبة النظام السوري
الحاكم بالحديد والنار والقتل على ما ارتكبه من جرائم وما تسبب به من عذاب للشعب
السوري بكل فئاته ومكوناته طوال عقود من التسلط وحكم المخابرات والأجهزة الأمنية.
وواكبت دولة
إيران الموقف الروسي وتناغمت معه مستخدمةً نفس السياق والأسلوب ولكن بلغة مختلفة
وبهدف تحويل الأنظار إلى مكان آخر؛ فقد "حذر الرئيس المؤقت لمجلس الشورى
الإسلامي في إيران علي لاريجاني، أميركا من أن تكرار الأنموذج الليبي في سوريا،
سينجر إلى فلسطين، وستطال شظاياه الكيان الصهيوني، واصفا إياه بأنه لعبة خطيرة".
فهو أي
لاريجاني لم يتهم طابوراً خامساً أو فريقاً ثالثاً بل وعد بتوسيع دائرة الصراع
مستخدماً أدواته المحلية في حال جرى تدخل دولي لحماية الشعب السوري من جلاديه،
والقضية الأمثل في عالم التجارة السياسية في الشرق الأوسط هي قضية فلسطين كونها
تدغدغ مشاعر الشعب الفلسطيني أولا والعالم العربي والإسلامي ثانياً، لما يختزنه من
رغبة في رؤية التحرير واقعاً ملموساً.
ولكن إذا
كانت إيران وسوريا قادرتين على تحرير فلسطين فلماذا التأخر والتلكؤ عن تنفيذ هذا
الحلم الذي طال انتظاره؟ ولماذا التهويل بقصف فلسطين المحتلة وليس بتحريرها في حال
جرى تدخل دولي في سوريا؟ وهل قتل الشعب السوري بالسواطير والسكاكين وبممارسة القصف
العشوائي ينجز التحرير ويخدم القضية الفلسطينية ومشروع المقاومة والممانعة؟
ولكن
عبارات لاريجاني التي وردت كانت كافيه لتدينه وتكشف حقيقة أهدافه، فالكل يعلم أن
امن إسرائيل هو أولوية لدى العالم الغربي والمجتمع الدولي إلى جانب أن مسألة
مكافحة الإرهاب هي شعار مرفوع بشكل أو بآخر من قبل الغرب والأمم المتحدة ومجلس
الأمن. وهنا خطورة التلويح بتوسيع دائرة الصراع في المنطقة.
لذلك فإن
فالسيد لاريجاني عندما يهدد بقصف فلسطين المحتلة فإنما يهدد باستهداف أمن إسرائيل
لحماية النظام السوري لا بهدف التحرير بعينه، وقياساً على ذلك فعندما يتحدث حلفاء
سوريا وإيران عن القاعدة ووجودها في لبنان وسوريا إنما هذا يجري بهدف استقطاب
الاهتمام الدولي نحو مشكلة أخرى في المنطقة ويتزامن مع تسويق دور النظام السوري في
مكافحة الإرهاب ومواجهته رغم أن هذا كلام غير صحيح على الإطلاق، وللإشارة أيضاً
إلى ما قد يمثله غياب بشار الأسد وحلفائه في لبنان والعراق عن الساحة السياسية
والأمنية من خطر على المصالح الغربية وأمن إسرائيل أيضاً لأن هذا النظام طالما كان
ضامناً لأمن إسرائيل طوال عقود واستهداف إسرائيل بالصواريخ كان بهدف رفع كلفة
الخروج من السلطة لعل المجتمع الدولي يعود عن توجهاته بالمساعدة على تحقيق التغيير
في سوريا، والاكتفاء ببعض الإصلاحات التي ترضي مزاج ورغبة البعض في سوريا والمنطقة
والعالم دون انجاز إصلاحات كاملة وشاملة بانتظار أن ينشغل المجتمع الدولي لاحقاً
في اهتمامات أخرى ويعود حينها نظام سوريا عن وعوده.
وهذا ما
يكن استنتاجه بشكل واضح وصريح حين "شدد لاريجاني على أن مجلس الشورى الإسلامي
يدعم الإصلاحات الديمقراطية في سوريا، بما يمكنه من ضمان حقوق الشعب، ويستنكر بشدة
الممارسات الإرهابية والتدخل الانتهازي لبعض الدول في سوريا، فضلا عن الخطاب
التصعيدي اللامنطقي من قبل أميركا، ويحذر من أن البدء بهذه المغامرة قد يبدو سهلا،
إلا أن خاتمتها ستكون صعبة بالتأكيد".
حياة ومصير
ومستقبل ورفاهية واستقرار وحرية وازدهار الشعب السوري لا تهم النظام ولا الحلفاء،
وتحرير الجولان واسترجاعه لا تأخذ في اعتبار النظام وحلفائه حيزاً مهماً من
التفكير والتجهيز والتخطيط فكيف بقضية تحرير فلسطين؟
لذلك فإن
الحديث عن فريق ثالث وعناصر غير منضبطة ومجموعات إرهابية وعصابات مسلحة هو حديث
غير ذي جدوى، ودماء الشعب السوري التي تسيل بهدف تحقيق الحرية والعدالة ومعاقبة
مجرمي السلطة والحرب في سوريا وخارجها لن تذهب هدراً ولن تضيع سدىً.
وفي كل يوم
يتفاقم ويتعاظم فهم وإدراك العالم برمته لطبيعة هذا النظام وخطورته على مواطنيه،
وحتى تلك العناصر الموجودة في سوريا والتي كانت في مرحلةٍ ما تؤيد النظام السوري
في سياساته أصبحت تدرك خطر استمرار هذا النظام على شعبه وعلى مستقبل سوريا وعلى
علاقاتها بمحيطها والعالم اجمع.
ومن
يشاركون النظام سياساته وتوجهاته ويعملون على تغطية ممارساته لا بد من محاسبتهم
سياسياً لأنهم شركاء حقيقيون فيما يرتكبه هذا النظام، خاصةً وهم يسخرون إعلامهم
وتصريحاتهم ومواقفهم للدفاع عن نظام متهالك نبذه شعبه وخرج عليه، والآن العالم
بأسره ينبذه وذلك حين بدأنا نشهد مسلسل قطع العلاقات الدبلوماسية والروابط الاقتصادية
معه، تمهيداً لتغييره وتحقيق العدالة في سوريا والاقتصاص من قتلة الشعب السوري ضمن
المعايير الدولية المرجوة، وهم بالتحديد إضافةً لرموز النظام دولتي روسيا وإيران
ومن يتحالف معهما، لأنهما الفريق الثالث الذي يدعم هذا النظام في ممارسة سياسة
القتل والإبادة عبر مده بالمال والسلاح وتأمين التغطية السياسية له.. والعمل على
تأخير تحقيق وتنفيذ المعالجة السياسية برعاية دولية وحتى ضمن سقف مبادرة المبعوث
الدولي كوفي انان وذلك بهدف دفع الشعب السوري لحمل السلاح رغبةً في أخذ الصراع إلى
مكان آخر وإعطائه أوصاف أخرى.(ميدل إيست أونلاين)
0 التعليقات :
إرسال تعليق