بقلم: خيرالله
خيرالله
مصر الى
اين؟ هل يمكن ان تعود مصر لاعبا عربيا واقليميا، بالمفهوم الايجابي لهذه العبارة؟
في الواقع هناك ما يدعو الى القلق على مصر بعدما خلف الاخوان المسلمون العسكر على
رأس هرم السلطة. فبعد ستين عاما على ما سمّي "الثورة المصرية" التي كانت
مجرد انقلاب عسكري وقع في الثالث والعشرين من تمّوز- يوليو 1952، جاء وقت الحصاد. انه
حصاد المرارات التي خلفتها عملية عسكرة المجتمع المصري التي انعكست سلبا على
العالم العربي كلّه. ما نشهده في مصر اليوم نتيجة طبيعية لافقار المجتمع وتدني
مستوى التعليم وسقوط القيم، كل انواع القيم، وزيادة التطرف الديني الذي اصبح ملجأ
للمواطن العادي الذي لا حول له ولا قوة.
هل انتهى
النظام المصري الذي فرضته مجموعة من الضباط على المصريين بمشاركة الاخوان المسلمين
في البداية... ام ان كلّ ما يمكن قوله انّ النظام البائس الذي كان على رأسه جمال
عبدالناصر ثم انور السادات واخيرا حسني مبارك، سيجد وسيلة لتجديد نفسه ولكن عبر
الاخوان المسلمين هذه المرة؟
الخوف، كلّ
الخوف، ان يجد اركان النظام الجديد، الذي يتحكّم به بطريقة مباشرة او غير مباشرة
الاخوان المسلمون، طريقة لتكرار التجارب الثلاث السابقة التي لم تفض الاّ الى
مسلسل من الكوارث على كل الصعد. توّج هذا المسلسل بصفقة اخيرة بين العسكر والاخوان
جاءت بالدكتور محمد مرسي رئيسا للجمهورية بمباركة اميركية...
قد يكون ما
يجمع بين حكم العسكر وحكم الاخوان في مصر ان ما خلفته "ثورة 23 يوليو" من
اضرار لم يقتصر على البلد العربي الاكبر. شملت هذه الاضرار العالم العربي كلّه. المؤسف
انه لا يوجد سوى عدد قليل من العرب يتجرّأون على تسمية الاشياء باسمائها وعلى
القول مثلا ان جمال عبدالناصر يتحمّل مسؤولية تخريب الشرق الاوسط من المحيط الى
الخليج.
قضى ناصر
على كلّ ما هو مرتبط بالحضارة في مصر. قضى على الديموقراطية والحياة الحزبية اوّلا.
قضى على مستوى التعليم. قضى على الاقتصاد. لم يفهم في اي وقت معنى التفريق بين
الانتصارات الحقيقية والانتصارات الوهمية، كما حصل في العام 1956. اعتقد بكلّ
بساطة ان عليه الانتقام من المدينة ومن كلّ ما تمثله المدينة. لذلك، لم يستوعب ان
تأميم قناة السويس عاد بالكوارث على مصر وان الخسارة الكبيرة التي لحقت من جراء
القرار الاعتباطي القاضي بتأميم القناة لا تعوّض. ادّى التأميم الذي امتدّ لاحقا
الى قطاعات اخرى الى تهجير الجاليات الاجنبية من مصر. قضى على القاهرة والاسكندرية
والاسماعيلية وبورسعيد. لم يكن الضباط المصريون يدركون، في معظمهم، معنى ان لا
تكون المدن المصرية مدنا كوزموبوليتية وان يتحوّل حيّ مثل حي الزمالك في القاهرة
الى مكبّ للنفايات ومرآبا كبيرا للسيارات. ليس حيّ الزمالك سوى مثل صغير على ما
حلّ بمصر ومدنها وقراها ومعالمها التاريخية ولسياحية...
ما فرضته "الثورة"
على مصر انسحب على العالم العربي. لم يكن لدى ناصر ما يكفي من الوعي لرفض الوحدة
مع سوريا الهاربة باستمرار من ازمة الكيان التي عانت منها منذ الاستقلال. قبل في
العام 1958 بالوحدة وحوّل سوريا منذ اليوم الاوّل لاعلانها الى دولة بوليسية
يحكمها ضابط اسمه عبدالحميد السرّاج يشرف عليه من القاهرة عبدالحكيم عامر!
لم يكن حكم
البعث السوري الذي بدأ في آذار- مارس 1963 سوى نسخة متطوّرة من حكم الاجهزة الذي
رسّخ قدميه في الارض السورية بفضل "الوحدة العربية" التي كانت ولا تزال
شعارا فارغا.
لو قدّر لـ"ثورة
23 يوليو" انّ تتابع "انجازاتها"، لكانت خربت المغرب والاردن بعد
لبنان وسوريا والعراق وليبيا والسودان. كان ناصر يمتلك ما يكفي من "بعد النظر"،
بالمعنى السلبي للكلمة، كي يرعى توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في القاهرة في العام 1969
والذي جعل الجنوب اللبناني الجبهة العربية الوحيدة المفتوحة مع اسرائيل!
توج جمال
عبدالناصر "انتصاراته" على مصر والمصريين والعرب في العام 1967. اخذ
العرب بدعم من الاتحاد السوفياتي الى هزيمة لم يتمكّنوا، وربّما لن يتمكّنوا، من
الشفاء منها يوما. ولكن ما هو اخطر من الهزيمة امام اسرائيل، ان دولة الاجهزة
الامنية صارت حاضرة في كلّ مكان. لم تقض هذه الدولة على مستقبل مصر فحسب، بل قضت
ايضا على حيوية المجتمع المصري الذي تحوّل بقدرة قادر الى مجتمع كسول جسديا وذهنيا.
بلغ
الانحطاط في مصر درجة صار فيها محمّد حسنين هيكل، المنظّر الاوّل لهزيمة 1967،
علما من اعلام الصحافة. صار هناك شيء اسمه "هيكل" لديه رأي في كلّ شيء،
بما في ذلك احداث الحادي عشر من ايلول- سبتمبر 2001 التي يحمّل مسؤوليتها لـ"الصرب"...
امضى انور
السادات احد عشر عاما في السلطة يسعى الى معالجة الاضرار الناجمة عن تركة جمال
عبدالناصر مستعينا بالاخوان المسلمين احيانا. فشل في ذلك، لانّه رفض في كلّ وقت
طرح الاسئلة الحقيقية، على رأسها تلك المتعلّقة بدولة الاجهزة الامنية وما العمل
بمجتمع لا يتجرّأ فيه احد على طرح مسألة خطورة تدني مستوى التعليم...او النمو
السكاني العشوائي.
امضى حسني
مبارك ثلاثين عاما غارقا في الجمود. لم يكن يمتلك اي رؤية من اي نوع كان تسمح
بالتصدي لنمو ظاهرة التطرف الديني التي يجسّدها الاخوان. لذلك كان طبيعيا ان يأتي
يوم يتسلّم فيه هؤلاء السلطة بعد خطفهم ثورة الخامس والعشرين من يناير التي اشعل
شرارتها الشباب المصري.
كان السؤال
الاوّل الذي طرح نفسه بعد سقوط حسني مبارك: هل انتهى النظام المصري الذي اقامه
العسكر ام لا؟ الجواب ان هذا النظام انتهى، ولكن ربّما بعد انتهائه من مصر. من
سيوجه الضربة القاضية الى مصر؟ يبدو تنظيم الاخوان المسلمين المرشّح الافضل لهذه
المهمة، مهمة استكمال ما قام به العسكر. لماذا؟ الجواب في غاية البساطة، وهو
يتجاوز مدى تراجع مصر التي تعبّر عنها صورة لهذه المرأة المصرية او تلك. الجواب
يتمثّل في ان الاخوان لم يتمكّنوا الى الآن من القيام باي عملية نقد للذات، بما في
ذلك التساؤل: لماذا تقدّمت، مثلا، تركيا وكوريا الجنوبية على مصر اقتصاديا في خلال
فترة زمنية قصيرة بعدما كانتا متراجعتين عنها في الماضي القريب؟
الى اشعار
آخر، لا يمتلك الاخوان في مصر مشروعا آخر غير الاستحواذ على السلطة، كلّ السلطة...حتى
لو كان ذلك عن طريق صفقات تعقد بين الحين والآخر مع المجلس العسكري. هل يكفي ذلك
لبناء دولة عصرية تمتلك تأثيرا ايجابيا في محيطها وكي تبقى الاضرار الناجمة عن
مشروع اللامشروع الاخواني داخل الحدود المصرية؟(ميدل إيست أونلاين)
0 التعليقات :
إرسال تعليق