بقلم: محمود معروف
رغم مرور
أكثر من 50 يوما على إجراء الانتخابات التشريعية، لم تتضح حتى الآن ملامح الحكومة
الجزائرية الجديدة.
في الأثناء
يشعر المتابع للشأن الجزائري، وكأن تشكيل هذه الحكومة، لم يعُـد من اهتمامات
الفاعِـل السياسي الجزائري. فلا أحد يتحدّث عن اتصالات تجري بين أطراف المَـشهد
السياسي ولا أنباء رسمية أو غير رسمية عن المرشّح ليكون أول رئيس للحكومة
الجزائرية ما بعد إقرار الدستور الجديد.
الانتخابات
الجزائرية أجريت في العاشر من مايو 2012، وأفرزت خريطة برلمانية، لا تختلف إلا من
ناحية العَدد عن المجلِس الوطني الشعبي السابق، إلا بعَـدد المقاعد التي ارتفعت من
389 إلى 462 مقعدا، نال منها حزب/ حزبا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة 291 مقعدا (221
لجبهة التحرير الوطني و70 مقعدا للتجمع الوطني الديمقراطي) وتوزّعت بقية المقاعِد
على حركة مجتمع السِّـلم (حمس)، ذات المرجعية الإسلامية وحصلت على 58 معقدا، فيما
حصل حزب العمّال (يسار راديكالي) على 26 مقعدا والتجمّع من أجل الثقافة
والديمقراطية (عِلماني) وقاطَـع انتخابات 2002 وحصل على 19 مقعدا، واحتفظ
المستقلون بـ33 مقعدا، وارتفع عدد مقاعد الجبهة الوطنية الجزائرية (قومية) من 13
إلى 15 مقعدا.
"بوتقليقة
هو الذي يقرر مصير حكومته"
أحمد
أويحيى، رئيس التجمع الوطني الديمقراطي ورئيس الحكومة منذ يونيو 2008، قال "إن
الرئيس بوتفليقة، هو الذي يقرِّر مصير حكومته". وأوضح أويحيى أن "الدستور
لا يفرِض على الطاقم الحكومي تقديم استقالته بعد الانتخابات التشريعية. فالأمر لا
يعْدو أن يكون تقليدا جرت عليه العادة، الحكومة تشتغل وكل القطاعات تنشط، ورئيس
الوزراء سيقدِّم استقالته في كل الأحوال".
ويقول
الجامعي والناشط الجزائري خالد بن إسماعيل، أحد أبرز الشخصيات الجزائرية القريبة
من الرئيس الراحل أحمد بن بيلاّ "إنه كان بالإمكان أن تكون تصريحات أويحيى
مقبولة، لو كان الرئيس بوتفليقة لم يُـقِـل من الحكومة ستة وزراء من مناصبهم بعد
انتخابهم في المجلس الوطني، بحُـكم التنافي وأسْنِـدت حقائبهم إلى وزراء آخرين
بالنيابة، لتضيف إلى الضرورة - بحُكم العُـرف - السياسية للحكومة الجديدة، ضرورة
تقنية".
وذهب بن
إسماعيل إلى أن بقاء حكومة عرْجاء طِـوال الأسابيع الماضية وعدم اهتِمام صانِع
القرار بتشكيل حكومة جديدة، يُـشير إلى هامشية الحكومة في اتخاذ القرار الجزائري،
وإلى أن الرئيس يكتفي من الحكومة بوزراء السيادة، وهُـم لا زالوا يمارسون
مهامّـهم، فيما يكون بقية الوزراء بمثابة موظّفين كِـبار أو أن حضورهم برتوكولي،
ويقوم بمهام الوزارة كِـبار المسؤولين بالإدارة.
وإذا كانت
نتيجة تشريعيات 10 مايو، التي لم تلْـقَ قَـبول كل الأحزاب المشاركة بالعملية
الانتخابية، هي المعرقِـل المُـعلَـن حتى الآن لتشكيل الحكومة، فإن ما خلَّـفته
النتائج من نِزاعات داخل مكوِّنات حزبيْ/ حزب الرئيس، يمثل عائِـقا إضافيا، لأنها
أوجدت نِـزاعات داخل الجبهة ونزاعات بين الجبهة والتجمّع ونزاعات بين حزب/ حزبيْ
الرئيس وبقية الأحزاب التي كان يُـمكن أن تعطي التركيبة الحكومية، صيغة التعدّدية.
"حركة
حمس ضرورة سياسية للرئيس بوتفليقة"
في
الأثناء، وقبل أن يعقد المجلس الوطني الشعبي الجديد جلسته الأولى، أعلنت حركة
مجتمع السِّـلم الجزائرية "حمس"،
وهي إحدى مكوِّنات حكومات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ تولِّيه السلطة عام 1999
وتُشارك بالحكومة القائمة بأربعة حقائِـب، هي التجارة والسياحة والصيد البحري
والأشغال العمومية، أنها لن تشارك في الحكومة المقبِلة، احتجاجاً على ما وصفته
بالتزوير الذي شاب الانتخابات "وتعبيرا عن رفضنا تصرّف النظام مع النتائج"،
حسب كمال ميدا، الناطق الرسمي باسم الحركة.
وكانت حركة
"حمس" تطمَح في انتخابات تعطي التيارات الجزائرية، ذات المرجعية
الإسلامية، أغلبية تُـؤَهِّـلها لقيادة الحكومة الجديدة على غِـرار ما جرى في تونس
والمغرب، وشكّلت من أجل ذلك في شهر فبراير الماضي تحالُـفاً إسلامياً مع حركتيْ
النهضة والإصلاح، وإن أبقت على وزرائها في الحكومة.
وجود حركة "حمس"
بالتشكيلة الحكومية، ضرورة سياسية للرئيس بوتفليقة. ضرورة لأنها تعطي التشكيلة "تنوّعا"
تحتاجه التعدُّدية وأيضا لامتصاص التيارات ذات المرجعية الإسلامية الأخرى من جهة،
خاصة جبهة الإنقاذ الإسلامية، وخلق تنافر إن لم يكن تناحرا فيما بينها.
العقبة
الأساسية في التشكيلة الحكومية
إعلان حركة
"حمس" عدم مشاركتها في الحكومة القادمة، قد يكون أسهل العَـقبات التي
يمكن تجاوُزها، إن كان بإرضائها أو بالضغط عليها، لكن برزت إلى جانبها عقبة
التنافُـس بين جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم الوحيد منذ استقلال الجزائر
والحزب الرئيسي بالحكومات المتعاقبة منذ إعلان التعددية الحزبية بداية تسعينات
القرن الماضي من جهة، والتجمع الوطني الديمقراطي، الذي وُلِـد من رحِـم الجبهة في
منتصف التسعينات، بقيادة أحمد أويحيى، ليكون الحزب ذا الأغلبية، ويقود عدة حكومات
بالتناوُب مع الجبهة، وليشكل معها طوال السنوات الماضية "حزب الرئيس" بوتفليقة.
مع ذلك، لا
مفر من الإقرار بأن العقبة الأساسية، لا تتمثل فقط في تشكيل الحكومة، بل في رسم
ملامح جزائر ما بعد بوتفليقة، إذ يعتبر الفاعِل السياسي أن رئاسة الحكومة القادمة
خُـطوة ضرورية لرئاسة الجمهورية عام 2014 خلفا للرئيس بوتفليقة، وهو ما حفَّـز على
رفع وتيرة الخِلافات في صفوف الجبهة ووقوف جزءٍ من مكوِّناتها ضدّ رئيسها عبد
العزيز بلخادم، رئيس الحكومة السابق ووزير الدولة والممثِّـل الشخصي للرئيس
بوتفليقة.
بلخادم
فقد ثقة جبهة التحرير
في هذا
السياق، أعلن أعضاء في اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير، أنهم بدأوا بإجراء سحْب
الثِّـقة من عبد العزيز بلخادم، متَّـهمين إياه بأنه شجّع "المحسوبية" في
عملية الترشيح والإنتخابات و"قيادة انقلاب عضوي" في الجبهة، تمهيدا
للوصول إلى رئاسة الجمهورية الجزائرية عام 2014 خلَـفا للرئيس بوتفليقة، أنه طلب
دعْـم الأميركيين في سعْـيِـه للمنصب.
ونقلت
صحيفة الشروق الجزائرية الواسعة الانتشار عن بوجمعة هيشور، الوزير السّابق وعضو
اللجنة المركزية للجبهة "بحَـوزتنا معلومات تُـفيد بأن هيلاري كلينتون، وزيرة
الخارجية الأمريكية، استقبلت عبد العزيز بلخادم بصفة شخصية، في مكانٍ ما خارج
البلاد، أربعة أشهر قبل موعِد الإنتخابات التشريعية... اللقاء تناول مسائل داخلية
حسّاسة، تتعلق بالاستحقاق الرِّئاسي المقبل".
ولم يستبعد
هيشور أن يكون بلخادم قد تلقّى ضمانات من كلينتون، بدعم ترشّحه للانتخابات
الرئاسية، حيث أن مواقِـف بلخادم الأخيرة تدُلُّ على أنه "أصبح يتصرّف وكأنه
الرئيس المقبِل للبلاد، ويتعنَّـت في رفض الاحتكام إلى الصندوق في الدورة العادية
للجنة المركزية المُـرتقبة يوم الجمعة المقبل (6 يوليو)".
في الوقت
نفسه، قارَن هيشور لقاء بلخادم بكلينتون، بزيارة الأمين العام السابق لجبهة
التحرير علي بن فليس لفرنسا، في وقت كانت تعيش البلاد على وقْـع سِباق محموم حول الانتخابات
الرئاسية لعام 2004، وهي الزيارة التي انتهت بإعلان بن فليس ترشّحه للرئاسة ووقوفه
ضدّ ترشّح عبد العزيز بوتفليقة، إلا أن بن فليس خسِر المعركة وانسَحب نهائيا من
العمل السياسي، ويبدو أن رحلة بلخادم إلى فرنسا في مارس الماضي كانت بهدَف السَّعي
للِـقاء فرانسوا هولاند، (الرئيس الفرنسي الحالي)، باعتِباره كان المرشّح الأوفَر
حظّا.
وفي بازار
الترشيحات لرئاسة الحكومة، والتي يعتقِـد خالد بن اسماعيل أنها لن تكون قبل
احتفالات الجزائر يوم 5 يوليو بالذِّكرى الـ 50 للاستقلال عن فرنسا، تُطرح أسماء
عبد العزيز بلخادم، الأمين العام لحزب جبهة التحرير، الفائز في الانتخابات
البرلمانية الأخيرة والإسلامي المعتدِل عمّار غول ورئيس الوزراء الحالي أحمد
أويحيى، والتكنقراط أحمد بن بيتور، الذي استقال من رئاسةِ الوزراء عام 2000،
وميلود حمروش، رئيس الوزراء في سنوات التسعينيات.
ويظل
الجيش.. "صاحب القرار"!
هذه هي نفس
الأسماء المرشّحة لرئاسة الجمهورية، إذا ما أضيف لها سعيد، شقيق الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة، وإن كانت حظوظه تقلَّـصت بعد اندِلاع الربيع العربي، الذي كان
التَّـوريث وحُـكم العائلة، أحد أبرز مسبِّـباته، إن كان في مصر أو ليبيا أو تونس
أو اليمن، وهو الربيع الذي نجحت الجزائر إبعاده عن أجوائها حتى الآن، بفضل عوامل
متعددة تشمل خِـشية معظم الجزائريين من عودة حرب 1992 إلى 2000 بين الدولة
والتيارات الأصولية المتشدِّدة التي دفعت البلاد ثمنها أكثر من 100 ألف قتيل
وخسائر مادية واقتصادية، أو بحُـكم ارتفاع أسعار النفط وانتِعاش الخزينة الجزائرية
وأيضا نتيجة وهْـن أحزاب المعارضة ومعها ضعف تأثير المجتمع المدني، ويضاف إلى هذا
كله، أن الجيش الجزائري لا زال صاحب القرار الأول في البلاد.
وإذا كان
التنافس على موقِع رئيس الحكومة الحالي - رئيس الجمهورية مستقبلا - لا زال يدور
داخل نفس العائلة السياسية (أي عائلة جبهة التحرير الوطني)، فإن تحوّلات سياسية
تعرِفها المنطقة والعالم، وتحوّلات اقتصادية قد تكون سَـلبية، إذا انخفضت أسعار
النفط والغاز، الذي يشكِّـل 97% من مداخيل العُـملة الصّعبة للخزينة، لابد من أن
تدفع الرئيس بوتفليقة مع حكومته إلى الإسراع في رسم الخريطة السياسية للتحوّلات في
بلاده، بما يُؤمِّـن انتقالا سِلـميا وسلسا للسلطة في الموعد المرتقب.(سويس انفو)
0 التعليقات :
إرسال تعليق