لندن - لم يكن الاقتراح الذي تقدم به وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بشأن التوصل إلى تسوية للملف السوري مفاجئا، وخاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو المقبل.
فقد بات واضحا أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد
قرر استبعاد الحل العسكري لحسم الصراع المسلح في سوريا، وفضل إلى أن يقوم بضرب عصفورين
بحجر واحد، وفي نفس الوقت.
الإقتراح الذي تقدم به جون كيري والذي يتضمن رحيل
الأسد بصورة تدريجية، وتشكيل حكومة سورية مؤقتة تقوم بإدارة شؤون البلاد خلال المرحلة
الانتقالية، من شأنه أن يحقق مصالح الولايات المتحدة من خلال:
1 – عزل سوريا عن إيران، وخاصة إذا أدت الانتخابات
الإيرانية المرتقبة إلى فوز أحد المرشحين المعتدلين بمنصب رئيس الجمهورية.
2 – عزل سوريا عن حزب الله، والحد من عملية تزويد
الحزب بالأسلحة السورية والإيرانية، وما يمثله ذلك من تهديد مباشر لإسرائيل.
3 – السيطرة الأميركية الكاملة على المنطقة العربية،
ووضع حد للنفوذ الروسي بها، مع سقوط آخر حليف له فيها.
غير أن قرار موسكو الأخير بالموافقة على تزويد دمشق
بصواريخ (إس 300 أرض – جو) المضادة للطائرات، دفع الدول الغربية إلى القلق تجاه إمكانية
تنفيذ هذه الصفقة، التي من شأنها أن تغير موازين القوى في المنطقة بشكل كبير. إذ أن
إسرائيل تعتمد بشكل رئيس على قواتها الجوية في تنفيذ عمليات سريعة خارج أراضيها (كما
حدث مؤخرا في دمشق، وكما يحدث من وقت لأخر في جنوب لبنان) وبالتالي فإن إسرائيل لا
تستبعد تمرير تلك الأسلحة المتطورة إلى حزب الله في حالة امتلاك النظام السوري لها.
حراك دبلوماسي
في إطار المساعي الغربية الجارية على خط التسوية
لحل الأزمة السورية، شهدت روسيا حراكا دبلوماسيا متواصلا منذ أيام. فبعد أيام من زيارة
وزير الخارجية جون كيري والدعوة الروسية الأميركية المشتركة لعقد مؤتمر دولي حول سوريا،
أجرى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون زيارة إلى موسكو الأسبوع الماضي، والتي
سبقه إليها أيضا وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، ويلحقه اليوم إليها رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو.
لم يعد خافيا الخطورة الكامنة في شن الغارة الاسرائيلية
الأخيرة على سوريا، سيما لاستبعادها فرضية قدرة الدولة السورية على شن هجمات انتقامية،
فضلا عن مفاقمتها للوضع الإقليمي وتعريضه إلى نشوب حرب أخرى شاملة مع دخول العامل الروسي
بقوة هذه المرة.
البيانات الغربية الصادرة عن عدد من العواصم واكبت
الرواية الاسرائيلية لهدف الغارة، بالزعم أنها أتت لإعاقة ومنع تسليم أسلحة متطورة
إلى حزب الله عبر سوريا، وبصفة خاصة المنشأة المستهدفة التي يعتقد أنها كانت تحوي صواريخ
فاتح-110 الإيرانية ونظيرتها السورية M-600.
البيان الرسمي السوري الصادر عن وزارة الخارجية أفاد
أن الغارة أصابت ثلاثة مواقع عسكرية: في ضاحية جمرايا القريبة من دمشق، وميسلون، ومطار
لطائرات شراعية في الديماس بمحاذاة الحدود اللبنانية.
ما تشير إليه الغارات المتكررة هو تطور القرار الاسرائيلي،
بمباركة أميركية على الأرجح، من خانة تقديم الدعم سرا للقوى المسلحة المعارضة إلى الانخراط
المباشر رسميا، كما تشير إلى العزم الإسرائيلي على اعتراض الامدادات العسكرية وغيرها
المتجهة غربا لحزب الله، مهما كلف الثمن.
تحول الموقف الروسي
لا يمكن تجاهل أن أي تهديد موجه لسوريا هو بالتالي
موجه لروسيا ولأسلحتها وقاعدتها البحرية في ميناء طرطوس السورية. كما أن استمرار الصراع
المسلح في الداخل السوري يشكل تهديدا مباشرا للإستراتيجية التي تقوم عليها السياسة الخارجية الروسية بعيدة المدى.
إن توتر العلاقة بين القوتين العظمتين، الولايات
المتحدة وروسيا، يجد صداه جليا في المعادلة السورية. فإصرار الولايات المتحدة على المضي
في تسليح قوى المعارضة بكافة الأنواع ومراهنتها على الخيار والحسم العسكري، استدعى
روسيا للوفاء بالتزاماتها تجاه اتفاقياتها العسكرية مع الجانب السوري لاستمرار توريد
الأسلحة وتعزيز سلطات الدولة، وهو ما يرجح أن يسهم الاعتماد الكلي لدمشق على روسيا
في مجال التسليح في استمرار نفوذ روسيا داخل سوريا، حتى بعد الإطاحة بالأسد، وتشكيل
حكومة انتقالية جديدة مستقبلا.
ورغم أن روسيا ساعدت منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا
الرئيس السوريبشار الأسد ونظامه على كسب الوقت،
واستخدمت مع الصين حق النقض (فيتو) ضد قرارين كان يدعمهما الغرب في مجلس الأمن لإدانة
الحكومة السورية، إلا أن مذبحة الحولة الأخيرة قد تضغط على الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين للتخلي عن أقرب حليف له في الشرق الأوسط.
وصعدت موسكو
من انتقاد الأسد وتقربت من معارضيه خوفا من أن تخسر الرهان على أمل أن تحافظ على نفوذها
في سوريا إذا أجبر الأسد على الخروج من السلطة، لكن الكرملين لا يريد أن يخسر أقوى
موطئ قدم له في الشرق الأوسط والنظام الذي يشتري منه أسلحة بمليارات الدولارات.
وسواء كان موقف روسيا قابلا للتغير أم لا، فإن حدود
هذا التغيير في الشأن السوري قد تكون العقبة الأكبر أمام التوصل لاتفاق لتنحي الأسد،
فنفوذ روسيا في سوريا ليس قويا مثل النفوذ الذي استخدمته السعودية لإجبار الرئيس اليمني
علي عبد الله صالح على ترك السلطة، فاليمن يعتمد على مليارات المساعدات التي تأتيه
من السعودية. وقد يميل بوتين لفكرة تدبير خروج سلمي للأسد يجري التخطيط له بعناية،
ويظهر أن الشعب السوري وحده هو الذي حققه ربما بقدر من الإغواء من جانب موسكو.(العرب
اللندنية)
0 التعليقات :
إرسال تعليق