"الأخ القائد" ما زال يحكم ليبيا!


بقلم: فاروق يوسف


 من قبل لم يكن العالم معنيا بما يجري في ليبيا. كانت الأبصار شاخصة على الأخ العقيد وحده. لقد ارتضى العالم لنفسه أن يُغيب شعبا بأكمله في عتمة عباءة رجل استولى على السلطة عن طريق انقلاب عسكري ثم احتكر ثروة بلد نفطي لنفسه ولعائلته وكان بين الحين والآخر يوزع مكرماته على رؤوساء دول وحكومات وحركات سياسية وعصابات، كان يختارهم استجابة لمزاج متقلب.


كانت صورة القذافي قد التهمت ليبيا، البلد الذي صار بسببه أخضر على الورق وعلى العلم فقط. تلك الصورة المثيرة للسخرية والاشمئزاز معا كانت بالنسبة للرأي العام الغربي نموذجا مثاليا لما يجب أن تكون عليه أحوال زعيم من العالم الثالث. ولقد أشبع الإعلام الغربي غرور الطاغية المنفصل عن الواقع حين صار يركز على خيمته وأزيائه وفرق حراسته الانثوية وخلواته في الصحراء ومسيراته العبثية. في أزمة لوكوربي المأساوية كان الزعيم الليبي كريما حين أعتقد أنه عن طريق الرشوة سيطوي واحدة من صفحات تاريخه الأسود. تلك الصفحة التي ملأتها الخسة والنذالة والغدر بالدم. لذلك كان حجم المفاجأة عظيما وصادما، حين شعر أن العالم كله قد تخلى عنه. ذلك العالم الذي ظن العقيد في لحظة من لحظات تجليه المجنون أنه قد استطاع أن يضعه تحت أبطه. ألم يمزق ميثاق الأمم المتحدة أمام رؤوساء دول العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك؟

منتصف فبراير/شباط عام 2011 اكتشف العالم لأول مرة أن هناك شعبا في ليبيا. شعبا ستحل صورته محل صورة العقيد في واجهات الصحف وفي القنوات الفضائية. وكان ذلك التحول غير المتوقع مناسبة للعقيد نفسه كي يكتشف أن هناك شعبا في البلد الذي حكمه بيد من حديد طوال أكثر من أربعين سنة صار يقف خارج خيام وملاعب مؤتمرات لجانه الثورية، منددا بجماهيريته التي جعلت من الجماهير حشودا من الجرذان، حسب تعبيره المتشنج.

كانت الثورة قد بدأت في بنغازي، كبرى مدن الشرق الليبي بالمطالبة باصلاحات محدودة، غير أن سلوك القذافي المتهور والمسلح بنرجسيته القاتلة كان سببا رئيسيا في الاسراع بتحويل تلك الثورة السلمية إلى نزاع مسلح، تخيل القذافي ومن حوله أبناؤه ومعاونوه أن في إمكانهم بيسر أن يحسموه لصالحهم. وكان ذلك ممكنا لولا التدخل العسكري العالمي الذي لم يضعه القذافي ضمن حساباته الساذجة. وإذا ما كان الزعيم الليبي قد خلف وراءه بلدا مدمرا، زادته ضربات حلف الناتو دمارا وبؤسا وانهيارا، فان نقص البعد المدني في ثقافة الشعب الليبي هو الجزء الأكثر خطورة من بين أجزاء تركة العقيد.

لنتأمل فقط في أثنين وأربعين سنة من الفوضى عاشتها ليبيا في ظل حكم فرد، عُرف بتقلب مزاجه وأدار دولة من غير أن يبني مؤسسات مستقرة ومن غير أن تكون هناك مرجعية قانونية راسخة يستند عليها عقد اجتماعي يحفظ للمواطن حقوقه ويملي عليه واجباته بطريقة واضحة، لا لبس فيها. ألا يشكل ذلك الوضع الشاذ شرخا عميقا في ثقافة المواطنة السوية التي تنظم علاقة الإنسان بالدولة من جهة ومن جهة أخرى علاقته بسواه من المواطنين الآخرين؟

ما يحدث اليوم في ليبيا من فلتان أمني هو انعكاس طبيعي للفوضى الروحية الهائلة التي يعيشها الإنسان في ليبيا وهو الذي ورث منجما ضخما من الأفكار والأفعال والانفعالات والممارسات والهلوسات والسلوكيات غير المنضبطة التي سمم بها العقيد حياة شعب كان مغيبا ومستبعَدا وعاكفا على أوهام زعيمه. لقد ولد حاملو السلاح اليوم في زمن العقيد الطويل، جلهم لم يعرف لليبيا زعيما سواه. فكان الكتاب الأخضر هو معجم الحياة الوحيد الذي يتصفحونه والذي يستمدون منه ملامح علاقتهم بالمحيط.

هم أبناء الفوضى، ضحايا سلطة أقامت ركائزها على أساس الاستخفاف بالقانون. لذلك فانهم حين يلجأون إلى السلاح من أجل أن يفرضوا اراءهم وتصوراتهم فانما يعيدون انتاج تلك السلطة التي كانوا هم ضحاياها. ألا يعني هذا أن الأخ العقيد قد نجح في الاستمرار في حكم ليبيا ميتا؟(ميدل إيست أونلاين)


شارك على جوجل بلس

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق