بقلم: د. سالم حميد
منذ أن تم إنشاء قناة الجزيرة منذ سنوات عدة، أعلنت عن نفسها بأنها جاءت من
أجل التغيير دون أن تعلن أي نوع من التغيير وما إن كان من الأسوأ إلى الأفضل أو
العكس.
الشواهد دائماً هي أفضل مسارات للقراءة. فالجزيرة ما أن جاءت حتى أبطلت
مفعول الكثير من النقاط الحمراء التي كان الإعلام العربي ملتزما بها إلتزاماً
صارماً. فظهور ممثل عن الكيان الإسرائيلي في جهاز إعلام عربي لتوصيل وجهة نظر
الكيان للرأي العام العربي كانت نقطة حمراء قبل أن تبتدعها الجزيرة. وتسمية هذا
الكيان بإسرائيل ما كان الإعلام العربي يتعاطاها أصلا. فقد كان شائعاً إستخدام
كلمات من قبيل العدو والمحتل ومغتصب الأرض وغيرها للإشارة إليه.
تشجيع الرأي العام على انتقاد حكامه واحدة من التغييرات التي أتت بها قناة
الجزيرة والتي سعت منذ البداية لاسقاط الهيبة عن كل الحكام العرب من دون استثناء،
والعمل على اختلاق ما ينتقص قدرهم من الوقائع إضافة لاستعانتها بالرأي الآخر
الخارج عن إرادة حكمه وشعبه لاستخدامه أداة للوصول إلى هذا الغرض.
إلغاء مبدأ الأوطان لم تعرفه المنطقة إلا من خلال أدبيات تنظيم الإخوان
المتأسلمين حتى جاءت الجزيرة لتعزّزه بقوة. حاولت إلغاء حاجز الوطنية الذي اعتبرته
ضيقاً، واستبداله بفضاء الدول الإسلامية حسب مفهومها، وهو منطق سمح لها، من وجهة
نظر القائمين عليها، أن تتدخل في شئون الدول والإساءة إليها وخلق الفتن والمشاكل
في مجتمعاتها.
بالإضافة للمادة الإعلامية التي تحمل بين تفاصيلها رسالة تفكيك العلاقة بين
الرعية والرعاة، فإن من استعانت بهم الجزيرة في تنفيذ برامجها من مخططين ومعدين
ومقدمين ومخرجين في معظمهم ممن لا يحملون الجنسية العربية التي تخلّى عنها منذ أمد
طويل. وهم، في معظمهم، أصحاب رأي سلبي واضح في الأنظمة والدول العربية ويحمل
أحقاداً كبيرة لمجتمعاتها.
تمويل وتبعية قناة الجزيرة مسائل أثارت الجدل. فالبعض يقول بأنها النافذة
الخلفية لقطر وبعض آخر يقول أنها تتبع الماسونية والصهيونية وبعض ثالث يقول أنها
صنيعة الإسلاميين. ولكل صاحب رأي من هذه الآراء منطقه المدعوم بالأدلة القاطعة. فقناة
الجزيرة تتبع الأسلوب الماسوني في الطرح، وتهتم بإسرائيل وتحرص عليها بل وتملك
علاقات واسعة مع مسؤولين وناطقين رسميين في مواقع حساسة فيها. وهي أيضا موالية
للغرب. فهي أول قناة عربية تنقل برامجها الإخبارية مباشرة من واشنطن ومن ساحات
البيت الأبيض. وفي ذات الوقت مثّلت الجزيرة إعلاماً رسمياً لتنظيم الإخوان
المتأسلمين. وما الربيع العربي إلا الدليل الواضحً على ذلك.
قائمة الإتهامات والإدانات لمنتسبيها وأبرزهم تيسير علوني وسامي الحاج لا
تتوقف. واحتضانها القرضاوي وإفساح مساحات واسعة له ومختلف متحدثي تنظيم الإخوان
الذين أطلقوا عليهم كلمة علماء، دليل آخر يمكن أن يعضده توجهها في نقل أخبار
الربيع العربي وطريقة تغطيتها للدول التي يتمركز فيها تنظيم الإخوان واختلاف
النبرة حين الحديث عن دول تحاربهم.
الربيع العربي الذي صنعته الجزيرة بامتياز كان من حسناته أنه كشف مخططاتها
وأفقدها الكثير من مصداقيتها أمام المشاهدين الذين صدموا لانحيازها الواضح
للإسلاميين ومعاداة كل من تعاديه الدولة المضيفة.
تظل قناة الجزيرة لغزاً غامضاً يميزه الجنوح الجارف للتغيير الأسوأ المرابط
بالعنف والتقتيل والتدمير. فبربيعها العربي، ها هي ذي ليبيا تئن تحت وطأة
الإسلاميين لتثور عليهم، وتونس تعاني من قمع النظام الإسلامي لشعبه، واليمن ينتظره
مصير مجهول، والسودان تشظى ولا يزال يحارب وشعبه يعاني من متأسلميه، وسوريا انتقلت
الأسر الآمنة فيها إلى معسكرات النزوح، ومصر تحوّلت لبؤرة إضرابات متتالية
ومحاولات مستميتة لطلائها بلون إخواني.(ميدل إيست أونلاين)
0 التعليقات :
إرسال تعليق