تونس ـ بينما كان علي العريض رئيس الحكومة التونسية الجديدة يتسلم بشكل رسمي مقاليد السلطة من سلفه المستقيل حمادي الجبالي، كانت عائلة عادل الخزري (27 عاما)، قد انتهت للتوّ من دفن جثمان ابنها الراحل ببلدة سوق الجمعة في محافظة جندوبة الفقيرة بشمال غرب تونس العاصمة.
واضرم الخزري النار في نفسه في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي وسط العاصمة تونس في حادثة هي الاولى من نوعها بهذا الشارع التي يعتبر رمزا للثورة التي اطاحت مطلع 2011 ببن علي.
وقالت لطيفة أم الخزري
التي تقطن منزلا يتكون من غرفتين صغيرتين متداعيتين ومطبخا في حالة رثة، "ظروفنا
الصعبة هي التي دفعت بابني الى هذا الفعل، لانه لم يعد قادرا على الاحتمال".
ويقول معلقون إن
وفاة الشاب التونسي البائع المتجول المعدم، الذي انتحر على طريقة محمد البوعزيزي وضعت
نهاية سريعة لمفعول الوعود الكثيرة، التي أطلقتها هذه الحكومة عن تحسين الأوضاع الاقتصادية
والاجتماعية والأمنية المتدهورة، في اذهان مواطنين باتوا ينشدون الاطمئنان في بلد لم
يعرف استقرارا منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي قب اكثر من سنتين
من الآن.
ويرى المعلقون أن
مجرد الشبه بين وفاة الخزري ومحمد البوعزيزي مفجرة الاحتجاجات في تونس وفي اكثر من
بلد عربي، سيجعل حكومة العريض في مواجهة عاصفة من الاحتجاجات لن تنهي إلا بفشلها واستقالتها
كسابقتها حكومة حمادي الجبالي، رغم إكثار قيادات النهضة من أحاديثهم عن الديمقراطية
والتداول السلمي على السلطة وغيرها من المفردات التي يراد بها التغطية على واقع فشل
حكومتهم المطلق في تحقيق الحد الادنى من الوفاق بين التونسيين.
وقال الجبالي خلال
تسليم السلطة "بدأنا نرسي تجربة جديدة في التداول على السلطة وتسليمها لأهلها
بطريقة متحضرة، ولهذا معنى كبير". واضاف "الأشخاص في انسحاب أو زوال، والدولة
قائمة ودائمة".
واعرب مازحا عن
"اشفاقه" على علي العريض الذي سيراس الحكومة لفترة "قصيرة ومليئة بالتحديات"
لكنه اكد "ثقته" في قدرة العريض على النجاح.
وانتقد الجبالي
"المنظرين لفشل" حكومة علي العريض قبل شروعها في العمل. وقال "سوف يحكم
التاريخ على هذه الحكومة وعلى نتائجها".
ولفت الى ان من
"ينظر لفشل هذه الحكومة (..) يراهن على فشل التجربة" الديمقراطية الوليدة
في تونس.
ومضى يقول ان حكومته
التي استقالت يوم 19 شباط/فبراير "لم تفشل" مثلما تقول المعارضة، مذكرا بانها
حققت نموا اقتصاديا بنسبة 3.6 بالمائة سنة 2012 مقابل انكماش اقتصادي بحوالي 2 بالمائة
سنة 2011.
لكن الحياة في قرية
سوق الجمعة التي دفن فيها الراحل عادل الخزري الواقعة على تلة تهب عليها الرياح وتؤدي
اليها طريق وعرة لم تتغير فيها معالم الحياة كثيرا، ولم تر من النمو الذي تحدث عنه
الجبالي شيئا.
وقال احمد الخزري
البوزيدي وهو ممثل حزب صغير في سوق الجمعة "قبل الانتخابات (التي اجريت في 23
تشرين الاول/أكتوبر) جاءت حركة النهضة للقيام بحملتها الانتخابية، ثم نسيت هذه المنطقة".
واضاف "في قريتنا
كل الشبان عاطلون عن العمل، وعادل الخزري لم يكن الا احد الامثة على ذلك".
وفي قرية سوق الجمعة
من ولاية جندوبة (شمال غرب) تحولت جنازة البائع المتجول عادل الخزري (27 عاما) الى
تظاهرة شارك فيها مئات الاشخاص.
وتجمع حوالى 400
شخص من المشاركين في الجنازة امام منزل عائلة الشاب ورددوا هتافات معادية لحركة النهضة
الاسلامية الحاكمة من بينها "خبز وماء والنهضة لا".
كما رفعوا لافتات
كتبوا عليها باللغة الفرنسية شعارات تطالب راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة بـ"الرحيل".
وردد المتظاهرون
هتافات اخرى مثل "يا حكومة عار..عار..عادل احرق نفسه بالنار" و"بالروح..
بالدم.. نفديك يا شهيد" و"يا حكومة اعتني بنا والا فالجزائر (المجاورة) اولى
بنا" و"تعيش الجزائر".
وتقع ولاية جندوبة
على الحدود مع الجزائر (غرب).
ووري جثمان الخزري
الثرى وسط نحيب اقاربه وجيرانه.
وبعد انتهاء الجنازة
توجه عشرات الشبان على متن سيارات الى مركز ولاية جندوبة وتظاهروا أمام مقر الولاية
احتجاجا على ارتفاع نسب الفقر والبطالة في منطقتهم.
وردد المتظاهرون
شعارات معادية للحكومة ولحركة النهضة والوالي والبرلمان واقتحموا ساحة الولاية بعد
خلع بابها امام انظار الجيش الذي لم يتدخل وظل يحرس مكاتب الولاية.
ونددوا بعدم مشاركة
اي مسؤول رسمي في جنازة عادل الخزري الذي احرق نفسه الثلاثاء في شارع الحبيب بورقيبة
الرئيسي بالعاصمة تونس في حادثة هي الاولى من نوعها بهذا الشارع الذي يعتبرا رمزا للثورة
التونسية.
وكان قادة لأبرز
الأحزاب التونسية المعارضة قد أجمعوا على أن حكومة العريض الفاقدة للشرعية، لن تستطيع
تقديم شيء يذكر للتونسيين لأنها جاءت نسخة مكررة من حكومة حمادي الجبالي التي استقالت
بعد أن عجزت طيلة أكثر من سنة ونصف على تحقيق الحد الأدنى من الوعود التي التزمت بتحقيقها
أمام الشعب غداة مباشرتها لمهامها بعيد انتخابات اكتوبر/تشرين الأول 2011.
وقال رئيس الحكومة
التونسية الأسبق وزعيم حزب حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي أن حكومة القيادي في
حركة النهضة علي لعريض "حكومة فاقدة للشرعية" لأنها تشكلت بعد انتهاء
"فترة الشرعية الانتخابية" التي تم الاتفاق عليها بين مختلف الأحزاب السياسية.
وقال الهمامي الناطق
الرسمي إن حكومة علي لعريض أعلن حكومة فاشلة مسبقا "لأنها لم تناقش مطالب المرحلة
القادمة المتمثلة في استحقاقات الثورة ومصلحة الشعب التونسي بل كان الهدف منها مصلحة
حزبية ضيقة".
وتقول المعارضة إن
حزب النهضة هو الذي اشعل فتيل العنف السياسي في المجتمع التونسي من أجل "وضع أسس
نظام استبدادي فاشستي يمهد الأرضية لها للبقاء في السلطة باستعمال قوة السلاح إن اقتضى
الأمر ذلك"، مكدة بذلك أنها لا تثق في كلام قيادات النهضة الذين يصرحون دائما
غير ما يضمرون.
وقال حمادي الجبالي
الخميس "آمل ان تكون الانتخابات (العامة) سريعة (..) وأنا متأكد ان علي العريض
سيسلم مقاليد الحكم الى حكومة منتخبة".
من ناحيته قال علي
العريض "كنا ومازلنا وآمل ان نبقى نناضل لا لدنيا نصيبها ولا لمراكز نتقلدها
(...) حلمنا ان يكون لنا دور في حمل هموم الامة والشعب".
واضاف "التنمية
الاقتصادية والرفاه (الاجتماعي) والتقدم العلمي والتكنولوجي (..) هذه طموحاتنا".
ويقول محللون إنه
لا يبدو ممكنا أن تقنع اختيارات العريض أو حتى تحديد سقف زمني لاستمرار الحكومة، طيفا
واسعا من القوى المعارضة التي لا تجد في ما اعلنه العريض ما يستجيب لمطالبها الرئيسية
قبل مباركتها لها.
ويرى هؤلاء ان العريض
وحزبه حركة النهضة، لم يوفرا لحكومتهما منذ البداية مدخلا سليما يمكن أن يساعدها على
مباشرة مهامها في وضع سياسي اقل استقطابا. إذ أن هذا الوضع سيلقي بظلاله على اداء الحكومة
التي ستعمل في بيئة "معادية" لها، لأكثر من سبب موضوعي.
ورفض العريض الحوار
مع حركة "نداء تونس" المنافس الجدي للنهضة وأحد أهم مكونات المشهد السياسي
الجديد في تونس بدعوى انه يمثل امتدادا لحزب التجمع المنحل وهي التهمة التي توجهها
النهضة للحزب الذي باتت تخشى نفوذه المتنامي بين التونسيين.
ويقول مراقبون إن
مثل هذا الحوار الذي تطالب به كل القوى السياسية الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني
وعلى راسها الاتحاد التونسي للشغل، شرط ضروري لرفع حالة الاحتقان الذي تشهده البلاد
والذي أدخلها في ازمة خانقة على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية، وإنه لا مفر
لعلي العريض من القبول بالتحاور مع كل الفرقاء السياسيين دون اقصاء أي طرف وإلا فإن
حاله لن يكون افضل من حال سلفه حمادي الجبالي الذي اضطر للاستقالة وهو يجر أذيال الخيبة
والفشل لحكومته ولحزب النهضة رأسا.
وتعيش تونس ازمة
سياسية واجتماعية واقتصادية خانقة اججها اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد الذي قتل
بالرصاص امام منزله في العاصمة تونس يوم 6 شباط/فبراير.
وكان الجبالي استقال
من رئاسة الحكومة احتجاجا على رفض حركة النهضة مقترحه تشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية
لاخراج البلاد من الازمة.
وتعاني تونس من تواصل
ارتفاع معدلات البطالة (16.7 %) والفقر (15.5 %) اللذين كانا السبب الرئيسي في الثورة
على نظام بن علي.
وفي 2012 حذرت
"المجموعة الدولية للأزمات" (منظمة دولية غير حكومية) من ان المشاكل الاقتصادية
والاجتماعية التي كانت السبب الرئيسي في اندلاع الثورة التونسية كارتفاع معدلات البطالة،
والتفاوت الصارخ بين مختلف مناطق البلاد، والتهريب والفساد لا تزال "دون حل ويمكن
أن تؤدي إلى تأجج الأحداث من جديد".(ميدل إيست أونلاين)
0 التعليقات :
إرسال تعليق