لندن - تعيش حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حالة من الانقسام العميق غير المعلن في أعلى مستويات القيادة ما يعكس، بحسب مراقبين، برنامجا سياسيا غير واضح وبناء تنظيميا هشا لدى الذراع الفلسطينية للاخوان المسلمين التي تحكم قطاع غزة منذ 2006.
واستبشرت حماس خيرا بأحداث "الربيع العربي"
التي أوصلت "إخوانها" في مصر وتونس الى سدة الحكم، لكن تداعيات الأزمة السورية
كشفت عن خلافات عميقة بين أعلى قادتها داخل القطاع وخارجه.
رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل كان لديه خياران
لا يمكن الجمع بينهما، فاختار الدوحة وغادر دمشق ووضع "حماس الداخل" على
أهبة الانقسام.
ولما كانت مغادرة مشعل دمشق تعني تنازلا ضمنيا عن
العلاقة مع ايران الحليفة الاقليمية الأقوى لنظام بشار الأسد، بسلاحها وأموالها ودعمها
السياسي، شعرت الحركة بأن قطر ستوفر لها البديل كاملا.
لكن صقور الحركة في غزة وعلى رأسهم القيادي البارز
محمود الزهار، عارضوا خطوة مشعل وظلوا متمسكين بموقفهم من التحالف مع ايران.
وهذا الخلاف، وإن كان مخفيا، داخل "البيت الحمساوي"
فقد باعدت شقة الخلاف بين صقور الحركة وحمائمها الى ان ظهرت مواقف علنية متناقضة تماما
حتى في القضية التي تعتبَر الأولى لدى حماس- القضية الفلسطينية.
خرج الزهار على الملأ رافضا التعديل القطري-الأميركي
على مبادرة السلام العربية التي كشف عنها في واشنطن مؤخرا رئيس الوزراء القطري الشيخ
حمد بن جاسم آل ثاني، ووصفها بأنها "ترهات سياسية وتنازلات مجانية".
وكان الشيخ حمد بن جاسم دعا في اطار مسعى عربي جديد
مدعوم اميركيا الى مبادلة أراض مع اسرائيل في اطار الحل النهائي وإقامة دولتين في فلسطين
التاريخية، وهي دعوة يتبناها قادة إسرائيليون منذ سنوات.
ويقول مراقبون لموقع "ميدل إيست
أونلاين" البريطاني ان حماس لم يعد في وسعها التكتم على الانقسامات الداخلية بين
فريقين متنافسين.
أولهما لديه استعداد للتطبيع بشكل أو بآخر مع إسرائيل
تحت غطاء عربي وبقيادة قطرية قادرة على إغداق الأموال وتقديم الدعم السياسي والتنسيق
مع حلفائها الجدد في المنطقة، لا سيما الحليف المصري القريب تنظيميا وجغرافيا من الساحة
الفلسطينية.
أما الفريق الثاني فيريد فلسطين "من البحر الى
النهر" ولا يرضى بـ"تنازلات مجانية"، ويقود هذا الفريق الزهار، وهو
رقم صعب في معادلة حماس مع سيطرته على الجناح العسكري للحركة- كتائب عز الدين القسام.
ويبدو أن حماس أخفقت في الاختبار الحقيقي لوحدتها
رغم صعود تيار الاسلام السياسي في المنطقة العربية، بحسب المراقبين، الذين قالوا ايضا
ان غياب برنامج سياسي واضح داخل الحركة أدى الى تشتت الرؤية حيال قضايا كبرى في الشرق
الأوسط، بدءا بالأزمة السورية والعلاقة مع ايران وقطر وانتهاء بالصراع العربي الاسرائيلي
الذي مضت عليه عقود وهو يراوح مكانه.
حتى المصالحة الفلسطينية باتت في مهب الخلافات داخل
حماس نفسها، فضلا عن الخلاف المزمن بين فتح وحكام غزة.
ووصل الأمر ببعض الخبراء في شؤون الفصائل الفلسطينية
الى القول بأن "الحركة أصبحت حركتين".
القطريون يتعاطون مع قادة من حماس تتعارض مواقفهم
مع قادة في "حماس الداخل". كما ان الايرانيين لا يزالون يحتفظون بموطئ قدم
ومرمى سلاح في غزة لكنهم يتعاملون بريبة مع أرفع شخصية في الحركة.
ويقول المراقبون ايضا ان "وحدة حماس المترنحة"،
سمحت للإخوان في مصر بتوظيف براغماتيتهم الخاصة في التعامل مع الحركة والقطاع الفلسطيني
الخاضع لها.
ومن إغراق الأنفاق التي تربط غزة بمصر (الشريان الحيوي
الوحيد للقطاع المحاصر)، الى الخروقات الاسرائيلية للهدنة مع حماس التي ترعاها القاهرة،
مرورا بالتضييق على صقور الحركة في السفر من خلال معبر رفح، يستخدم المصريون ايضا اوراقهم
في تعزيز الانقسام داخل حماس.
وقبل يومين، منعت المخابرات المصرية مرور القياديين
في حماس اسماعيل الاشقر وصلاح البردويل القريب من الزهار، رغم أنهما عضوان في وفد المصالحة
الفلسطينية الذي يُفترض ان يسافر بصفة متكررة الى القاهرة للتفاهم مع المصريين حول
الاتفاقات الموقعة مع فتح.
إلى ذلك، تراجعت شعبية حماس في الأراضي الفلسطينية
ووصلت الى مستويات لم تشهدها من قبل لأسباب تعود خصوصا الى حالة الجمود في عملية السلام
من جهة، وتعثر المصالحة بين الفصائل الفلسطينية من جهة أخرى.
واظهر استطلاع للراي نشره مركز القدس للاعلام والاتصال
في ابريل/نيسان الماضي تراجعا في دعم الراي العام الفلسطيني لحركة حماس وعمليات اطلاق
الصواريخ على اسرائيل.
واشار الاستطلاع الى ان نحو ثلثي المستطلعة آراؤهم
(أكثر من 65%) يدعمون موقف القيادة الفلسطينية بعدم استئناف مفاوضات السلام مع الاسرائيليين
دون تجميد الاستيطان.
وفي حال اجراء انتخابات فان 42.6 بالمئة سيصوتون
لحركة فتح التي يتزعمها الرئيس محمود عباس والتي تسيطر على الضفة الغربية، بينما سيصوت
20.6 بالمئة لحركة حماس.(ألوان
نيوز)
0 التعليقات :
إرسال تعليق